في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي نشأ صراع دامٍ بين التكتلات الاقتصادية الكبرى، خاصة في قطاع التصنيع والمصانع الضخمة ذات الإنتاج الكبير، دارت رحى هذه الصراعات بين الولايات المتحدة، والقارة العجوز، واليابان، كان التباري آنذاك على حجم الإنتاج ومدى جودته، والكفاءة في طرح السلع بأعلى جودة وأقل سعر.
انتبهت في هذه الأثناء الصين الشعبية التي كانت تتابع عن كثب ما يحدث حولها في العالم من تطور صناعي، وكان الحلم يراود هذا البلد الفقير بأن يخوض غمار قطاع الصناعة ولكن الواقع كان يشي بصعوبة، بل استحالة أن يخطو هذا البلد الذي كان تعداده آنذاك 800 مليون نسمة، وأغلبهم لم ينل أي قسط من التعليم فقد كانت نسبة الأمية بين الشعب الصيني تتجاوز 90%، كما كانت العملة تعاني تضخماً شديداً والأسعار في ارتفاع دائم، وهو ما قابله هبوط وتدن في مستوى المعيشة.
في وسط هذه الحالة من الانهيار الاقتصادي والتحديات، والزيادة الرهيبة في عدد السكان واختلاف القوميات والأعراق التي تتجاوز الخمسين، تمكنت بالتخطيط الجيد أن تحول كل نقاط الضعف إلى مواطن قوة، حيث استغلت الزيادة السكانية في العمل واستخدام القوى العاملة بأجور زهيدة، كما استطاعت أن تحمي نفسها من الوقوع في أية أزمة، ولم تضطر إلى تخفيض عملتها كما فعلت دول شرق آسيا، لأن العملة الصينية ليست مرتبطة بأي عملة أجنبية، وبالتالي لا تستطيع أية قوة أجنبية التلاعب بسعر العملة، فهي في مأمن من تأثير الضغوط الخارجية في اقتصادها وعملتها.
كما اتجهت نحو إصلاح النظام الإداري وتيسير إجراءات الاستثمار الأجنبي لديها ما دفع المصانع الكبرى من أنحاء العالم كافة إلى الهرع نحو الصين لإنشاء وحدات إنتاجية والاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة المدربة.
إن الصين يمكن أن تصبح بعد سنوات نقطة ارتكاز المنافسة العالمية، وما يؤكد ذلك حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة الذي يزيد على ألف مليار دولار سنوياً، والعجز في الميزان التجاري بينهما لمصلحة الصين ويبلغ ستين مليار دولار سنوياً.