الإنسان مفطور على التواصل مع الآخرين والبحث عن المودة، والتكامل مع شريك يناسبه، يتقاسم معه المشاعر والمحن والملمات، إنها فطرة خلقنا الله عليها منذ أن كنا في بطون أمهاتنا، فالحب في الأرض بعض من سجايانا.
وللحب درجات ومراحل بحسب قوة الشعور، ومتانة الإحساس، ومستوى التأثر بالمحبوب، فأول درجة من درجاته التعلّق، وهي التفكير الدائم والمتواصل، ثم مرحلة الصبابة وتعني الشوق الشديد والترقب للقاء الشريك، مروراً بمرحلة العشق ثم الشغف ثم الوله وانتهاء بالهيام، أي وصول المحب إلى درجة الجنون في حب الطرف الآخر .
وبالرغم من ذلك تعتمل في نفوسنا مشاعر مختلفة وأحياناً متعارضة مع بعضها البعض، فنحن نحمل بين ضلوعنا أحاسيس تختلف جذوتها من وقت لآخر، فهي تزيد وتنقص مثل الترمومتر الزئبقي، وتتأرجح بين القوة والضعف، والتلاشي تارة أخرى .
إن النفوس البشرية جبلت على حب من أحسن إليها، فقد كان الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، يعلن دائماً عن حبه الشديد للسيدة عائشة، رضي الله عنها، وكتب التاريخ أخبرتنا عن حالات حب عنيفة وصلت إلى الهيام، كقيس وليلى، والخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك الذي كان يقطر عشقاً لجاريته حبابه، ويجلس عند قدميها لساعات طويلة. . وفي القرآن قصة يوسف ابن يعقوب عندما تدلهت بحبه زليخة امرأة العزيز.
حذرنا الحديث من الانخراط غير المحسوب في علاقتنا بالطرف الآخر فيقول: «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك يوماً ما، عسى أن يكون حبيبك هوناً ما» . . وليس المعنى ألاّ نثق بمشاعرنا، أو مشاعر الآخرين، إنما نكفكف من انطلاقها ونثبتها في عقالها، حتى لا نؤذي أنفسنا عندما يتقلّب الزمن، ويضعنا في أحد اختباراته القاسية.
فالحبّ تفوق على الدواء في شفاء المرضى، فأثر الدواء لا يشعر به إلا المريض، بينما الحب يشفي من يتعاطاه ومن يعطيه.
إن أعظم وأنقى درجات الحب هي حب الله، وحب شريعته، أما الحب الذي بني على الغرائز وتأسس على الشهوات والمتع الزائلة، فعمره قصير.
لقد هيأ لنا الله سبحانه وتعالى، الحب المشروع، بالزواج، ثم ترك لنا مهمة الحفاظ عليه، وصونه وحمايته من أعاصير الزمن وتقلّبات الأيام والسنين . . كأحد معايير النجاح في إدارة الحياة الزوجية.