عقود – يشهد القطاع الإنشائي والعقاري تطوراً متلاحقاً في المملكة العربية السعودية، سواء على المستوي العام في قطاعات الدولة الإنشائية، أو على مستوى القطاع الإنشائي الخاص، وإن من أهم العناصر التي تغذي ازدهار البيئة الاستثمارية ارتفاع مستوى الضبط المالي وانخفاض مستوى المخاطر للتصرفات التي تدور ضمن هذه البيئة، والتي يعتبر العقد بشكل عام هو الدماغ المسيطر على الحركة العقدية في البيئة الاستثمارية، والمتمثلة في الالتزامات على الأطراف والحقوق للأطراف.
خفض مخاطر العقود
وإن من أبرز أنواع العقود التي تتميز بخفض المخاطر على أطراف العلاقة العقدية، والتي تساهم في ضبط المالي على مستوى عالي يتمتع بالوضوح لطرفي العقد، هي عقود الفيديك (FIDIC). وإن منشأ كلمة الفيديك (FIDIC) فرنسي وتعني:الاتحاد الدوليّ للمهندسين الاستشاريين، وإن الدور الأكثر أهمية والذي تقوم منظمة الفيديك (FIDIC) به على الصعيد المهني الهندسي والقانونيّ، يتمثل في إصدار العقود النموذجية الهندسية، فأصدرت المنظمة عددًا من هذه العقود تسمى باسم ألوانها كالكتاب الأحمر والكتاب الأخضر والكتاب الأصفر، فهذا الدور يؤدي إلى توحيد العقود الهندسية، ويسهم في تحقيق الكفاية الذاتية للعقود.
عقود نموذجية استرشادية
وعقود الفيديك (FIDIC) هي: عقود نموذجية استرشادية أصدرها الاتحاد الدوليّ للمهندسين، وتشتمل على شروط العامة وشروط خاصة لعدة عقود إنشائية تتناسب مع طبيعة المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة مراعية لتوازن العقدي بين حقوق والتزامات الأطراف، بهدف سامي يتمثل في توحيد عقود التشييد على المستوى العالمي مع إعطاء مساحة لتعديل بعض بنود العقود بما يتناسب مع طبيعة كل دولة وبيئتها الإنشائية، وتعديلها بما يراعي طبيعة المتعاقدين دون الإخلال بالتوازن العقدي.
ومن خلال هذا التعريف لمفهوم عقود الفيديك (FIDIC) يتضح أنها تخلق جواً استثمارياً عالى المأمونية، بحيث إنها تمثل عصارة خبرة مهندسين من شتى دول العالم، يراعون المخاطر التي تواجه صاحب المشروع وكذلك المخاطر التي تواجه المقاول المنفذ، مثل جوانب التعويضات وتغير الأسعار لمواد البناء والتقلبات الاقتصادية، ضمن معالجة عقدية عادلة، ووضع آليات محددة لفض المنازعات بشكل سريع لا يعيق عملية التشييد، كما أن هذه العقود تراعي الجانب المالي من حيث توقع النفقات بشكل قريب أكثر للواقعية.
الموازنة والكفاية العقدية
فإذا كانت عقود الفيديك (FIDIC) تتمتع بالموازنة والكفاية العقدية المغنية للطرفين في فهم ما لهما وما عليهما، فإن هذا يعود للضبط الهندسي الذي يحمي من الفساد في المشاريع الحكومية والخاصة ويحمي النمو العقاري، وذلك أن الفيديك (FIDIC) تعالج أهم العناصر التي ينفذ من خلالها الفساد، وكذلك تأخر النمو العقاري، وهي التكلفة والوقت والجودة، وتعاقدات الفيديك (FIDIC) تضبط التكلفة بشكل قريب من الواقعية، مما يحمي الأموال التي تصرف في المشروع من تضخم التكلفة بلا مقابل حقيقي لها، وفي حال تقلب الأوضاع الاقتصادية يتم تقدير التكلفة الواقعية للأضرار دون إثقال غير واقعي لميزانية الدولة أو ميزانية صاحب المشروع الخاص.
والعنصر الثاني المتمثل بالجودة هو محل عناية من (FIDIC) التي تضبطه ضبطاً دقيقاً خاصة إذا تم التخطيط الهندسي السليم للمواصفات والمقاييس قبل الشروع بتنفيذ المشروع، ومن ثم اختيار المهندس المشرف الكفؤ، فالجودة كل ما ارتفعت ارتفع النمو العقاري، وكل ما انخفضت كلما زاد الفساد في المشاريع من جهة أن الأموال تدفع فيما لا يحقق المصلحة العامة في المشاريع الحكومية، ولا يحقق المصلحة الخاصة في مشاريع القطاع الخاص، كما أن تعاقدات الفيديك (FIDIC) تحمي عنصر الوقت سواء بالتنفيذ أو على مستوى التعويضات، فالهدر في الوقت يعني بشكل تلقائي هدر في المال، سواء المال العام أو المال الخاص، وإذا تمت المحافظة على الوقت تم صون المال وتقليل المخاطر والخسائر مما يؤدي لنمو العقاري ضمن بيئة استثمارية سليمة.
عقود لا تخالف أحكام الفقه الإسلامي
علماً أن هذه العقود من حيث الجملة عقود لا تخالف أحكام الفقه الإسلامي، مما يجعلها عقود ذات قبول في البيئة السعودية الاستثمارية، إذ لا يخلو أن تكون تعاقدات الفيديك (FIDIC) للتشييد من عقود المقاولة في الفقه الإسلاميّ، داخلة في عقد الاستصناع إن كان المقاول ملتزمًا بتنفيذ المشروع مع توريد مواده، أو داخلة في عقد الإجارة على العمل إذا كان المقاول ملتزمًا بالتنفيذ دون توريد مواد المشروع، علمًا أن الفيديك (FIDIC) قد تتضمن خلطًا في تقديم المواد بين صاحب العمل والمقاول، لكن يغلب التكييف الفقهي لهذه العقود بحسب التزام أي الأطراف بتوريد المواد من جانبه بشكل أكبر في العقد.