تشهد المجتمعات السكنية في المملكة تطوراً كبيراً، في ظل رؤية 2030، التي أوجدت تجانساً بين سكان المملكة على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والمادية، إذ أدركت الرؤية أهمية ألا توجد أي فوارق بين المواطنين، والبداية كانت من المجتمعات السكنية، فضلاً عن إزالة الفوارق التي كانت موجودة بين المواطنين والوافدين، وخاصة من الجنسيات الغربية.
فعندما حددت الرؤية هدفاً لها بزيادة نسبة التملك بين صفوف المواطنين إلى 70% بحلول 2030، فهي تحدثت فقط عن زيادة الانتاج السكني، مع اختلاف قيمته السعرية، بين شقة سكنية تبدأ بـ250 ألف ريال، ومنزل مستقبل، وفيلا صغيرة وأخرى كبيرة يصل ثمنها إلى عدة ملايين من الريالات، ووضعت كل هذه المنتجات بجانب بعضها البعض، في خطوة لإزالة أي فوارق بين الأسر السعودية، تحت أي تصنيفات كانت، تسفر ـ غالباً ــ عن سلبيات اجتماعية مرفوضة، أخطرها تعميق الفوارق بين المجتمعات السكنية، التي تنتج لنا مجتمعات غنية وراقية تمتع أفراها بالرفاهية العالية، وأخرى فقيرة ومعدمة، ينخرط أفراها في ارتكاب الجرائم وتجاوز القوانين.
أتذكر في فترة من الفترات، قيام شركة أرامكو السعودية باستحداث المجتمع السكني المُغلق على نفسه، أو ما يسمى “الكمباوند”، وخصصته لموظفيها الغربيين، وهي بذلك عزلتهم على بقية المواطنين، باعتبار أن لهم سلوكيات وطبيعة مختلفة في المعيشة والمظهر، تختلف عن أبناء الوطن، ووفرت هذه المجمعات رفاهية عالية، نجحت في عمل جدار نفسي بين المواطن والموظف الوافد.
وأتذكر مرة ثانية، في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عندما وجه ببناء 500 ألف وحدة سكنية، وخصص لها 25 مليار ريال، كانت هناك توجهات – آنذاك – ببناء أحياء للأسرة ذات الدخل المحدود، ويقصد بها أصحاب الشقق الصغيرة أو المتوسطة رخيصة الثمن، والأحياء الأخرى لأصحاب الفلل مرتفعة الثمن، وبقدر ترحيب البعض بهذا التوجه، إلا أن هناك الكيثر ممن حذروا منها، وقالوا إنها كفيلة بإيجاد تفاوت كبير وخطير بين طبقات المجتمع.
وهذا المشهد يدعونا إلى عدم إغفال التأثير النفسي الناتج عن شكل المجتمعات السكنية، وكيفية إدارتها، هذا التأثير من القوة بمكان، ما يبث شعوراً قوياً لدى أفراد المجمعات السكنية الشعبية أوو الفقيرة بأنهم منبذون وغير مرغوب فيهم، لذا تم “إلقاؤهم” في هذه المجتمعات، بعيداً عن مجتمعات الأثرياء التي تتمتع بكل الخدمات، فيشعرون معها أنهم محل اهتمام الجميع، ومُرحب بهم أينما يحلون.
ما جاءت به رؤية 2030 في سياستها العامة لتوفير المساكن، أزال هذه الفوارق مجتمعة، وحقق المساواة التامة بين الجميع في المجتمعات السكنية، بالحصول على نفس الخدمات والاهتمام دون تفرقة، ولن نذهب بعيداً، وفي المملكة، أحياء سكنية عتيقة، تعمل الحكومة والجهات المعنية على إعادة تنظيمها، وقريباً ستتحول إلى أحياء حديثة تتوفر بها كل سبل الأمان والراحة وجميع الخدمات.