فافيلا كلمة برتغالية و يقصد بها الأحياء العشوائية التي تنتشر في الكثير من الدول منها البرازيل, ونسبة للفقر الذي يعيشه سكان هذه العشوائيات تنقصهم الكثير من متطلبات الحياة الحديثة والعصرية وتعاني العشوائية من نقص في البنيات التحتية. وتشييد المنازل على سطح الجبال والتلال في أراض غير مخططة من قبل الحكومة وقابلة للإزالة والنزع متى ما تمكنت الحكومة من ذلك , وتُبنى العشوائيات من الحجارة والأسمنت وقطع الخشب والبواقي المعدنية، تنتشر بكثرة في المدن الكبيرة والعواصم البرازيلية والمدن الكبيرة ذات الحركة الاقتصادية القوية والجو الدافئ. يعتبر أغلب سكان (الفافيلا) فقراء أو تحت خط الفقر.
أصل الحكاية
للظروف الاقتصادية التي مرت بها دولة البرازيل عانى الكثير من المواطنيين من الفقر ومحدودية الدخل مما جعلهم يتكيفون مع أوضاعهم بشتى السبل, فانتشرت المنازل العشوائية والتجمعات السكنية غير الشرعية حتى بلغ عدد العشوائيات أكثر من 1800 عشوائية, مكتظة بالسكان ويصل التعداد السكاني لبعضها حوالي 70 ألف نسمة, وتنتشر فيها الجريمة المنظمة عبر العصابات ومافيا المخدرات وأساليب الكسب غير المشروع , لذلك هي تعيش في عزلة تامة عن المحيطات الخارجية, وليس لهم مؤسسات تعليمية إلا التعليم قبل المدرسي, لذلك يتفشى الجهل والأمية بين السكان.
تعتبر مدينة ريودوجانيرو البرازيلية من أجمل مدن العالم لطبيعتها الساحرة واحتواء المياه الأنهر لخاصرتها مثل شواطئ ليبلون وشاطئ ايبانيما وتعتبر من أشهر المناطق السياحية بالبرازيل إلا أنها تزدحم في الجانب الآخر بالعشوائيات التي يتمسك الأهالي بها ويعتبرونها خطاً أحمراً.
بداية المغامرة
وفد صحيفة «أملاك» برئاسة رئيس التحرير الأستاذ عبد العزيز العيسى زار البرازيل في مطلع هذا الشهر لاستكشاف ماهية العشوائيات وكيف يعيشون؟ وماهو دور الحكومة معالجة أحوالهم وتصحيح أوضاعهم سكنياً؟ المهمة كانت في غاية الصعوبة التي تكمن في إقناع المسؤولين نسبة لأنها – على حسب تعبيرهم- مغامرة محفوفة بالمخاطر , وتمت الموافقة على زيارة العشوائيات التي تسيطر عليها الحكومة , وتم تحذير الوفد من أي تحركات أخرى ..!!
توجه الوفد إلى سنت مارتا وهي أول عشوائية سيطرت عليها الحكومة وقريبة من العاصمة برازيليا وهي منطقة مفتوحة تقل فيها نسبة المخاطر بصورة كبيرة وعدد سكانها 7 آلاف نسمة, وتم أخذ تحذيرات أخرى بعدم التحدث مع السكان والمشي بسرعة, وعدم التصوير في أماكن معينة, مع أخذ الانتباه لحركة الوفد حتى لا يشعر السكان بأن هناك من يتجسس عليهم , أو يراودهم شعور غير مريح بوجود شخص غريب.
جهود حكومية للارتقاء بالعشوائيات
عَلِم الوفد أن الحكومة البرازيلية تبذل جهوداً كبيرة في السيطرة على هذه العشوائيات , ونجحت في 42 عشوائية فقط, فعملت على تحسين أوضاعهم ونقل بعض الراغبين لأماكن أخرى أكثر ملائمة وأوفر أمنا, وقامت بتوصيل شبكات المياه والكهرباء (60 أمبير لكل منزل) برسوم رمزية وتوفير ناقلات ومصاعد كهربائية لتقل السكان مجاناً من من سفح التل لأعلاه من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية عشر منتصف الليل. وكذلك تركيب خطوط المركبات المعلقة (تلفريك) كما وفرت للأهالي الإنترنتwfi مجاناً, وشبكة للهاتف المحمول.
وحفزت الأطفال للدراسة بدعمهم بـ 200 ريال برازيلي أي ما يعادل ( 67 دولار أمريكي ). واعتمدت الحكومة قطارت وبصات لنقل التلاميذ من أعلى الجبل إلى المدارس في المناطق الأخرى.
منعت التوسع الأفقي في العشوائيات التي تسيطر عليها بينما شجعت التوسع الرأسي في البنيان. بل ذهبت الجهود الحكومية لأبعد من ذلك بتشييد مساكن لهم مجاناً, وترحيلهم إليها بعيداً عن العشوائيات. هذا بجانب البنيات التحتية مثل الصرف الصحي ومجاري المياه.
تماذج واندماج شعوب العالم
توجد في البرازيل عموماً قوميات مختلفة من كل الجنسيات والقارات تشاهد في الشارع الواحد شخصيات متباينة وألوان متعددة من كل بقاع العالم, وذلك للنمو المطرد الذي يشهده اقتصاد البرازيل وسهولة الاندماج في المجتمع مرونة الشروط لمن يريد الاستثمار والتملك, وهناك الكثير من الأجانب المقيمين في البرازيل كانت وجهتم أمريكا وكندا إلا أن بلاد «السامبا» استهوتهم وطابت لهم الإقامة بها. وأصبحوا فيما بعد مستثمرين وأصحاب قرار في ما يملكون , وأتاحت لهم الحكومة البرازيلية حق التجنس ودخول المعترك السياسي عبر البرلمان.
اقتصاديات العشوائيات
تعاني العشوائيات من ضعف واضح في البنيات التحتية مما جعل سكانها يبحثون لهم عن مصادر رزق في أماكن أخرى في المدن المجاورة بأجور متدنية, مما جعل خطر العصابات والمافيا يسيطران على البيئة العامة وممارسة ألوان عديدة من التجارة المحرمة، وتأتي المخدرات على رأس القائمة ثم تجارة السلاح الذي تجده منتشراً بين سكان العشوائيات للحماية والدفاع عن النفس والأسرة.
ليس هناك أنوع استثمار محددة ومعروفة في العشوائيات إلا من بعض المطاعم المتناثرة هنا وهناك وحلاقين وبوفيهات. وتبلغ نسبة الأغنياء منهم 40% يعطفون على باقي السكان ويتعاملون بلطف وود وحميمية, ويعتبرون أنفسهم دولة داخل دولة, ولكن من غير تنظيم إداري ولا صلاحيات سياسية. وكانت أوضاعهم مجهولة أو تكاد تكون معدومة إلا بعد زيارة الرئيس الأمريكي أوباما عبر طائرته مما لفت انتباه الحكومة لهم والإعلام. وكذلك زارتهم ملكة بريطانيا أليزابيث ومايكل جاكسون, هذا فضلاً عن البعد الاقتصادي الذي مثله لهم مونديال البرازيل الأخير, حيث اعتبر مرتادوا البرازيل آنذاك وكبار لاعبي كرة القدم العشوائات وجهة سياحية ليصدقوا بأعينهم ما سمعوه عن كائنات بشرية تعيش في عزلة عن الحضارة والتمدن. كما كانت بعض العشوائيات أرضية خصبة لتصوير الأفلام الأمريكية.
اقتصاد البرازيل
يعتبر اقتصاد البرازيل من أكثر اقتصاديات الدول نمواً، فهو سادس أقوى اقتصاد في العالم , وسابع أكبر اقتصاد حسب الناتج المحلي الإجمالي الإسمي. ويعتمد اقتصادها على الطفرة الصناعية التي حدثت خلال العقود القليلة الماضية وكذلك استخراج النفط وتصنيع منتجاته بالإضافة للقطاع الزراعي الذي تشتهر به البرازيل وخاصة في زراعة البن والفاكهة, ولها نشاط استثماري واسع في قطاع الثروة الحيوانية, مما زاد ناتج الدخل القومي, هذا فضلاً عن الجانب التجاري الذي برعت فيه البرازيل بفضل تعدد القوميات والجنسيات مما أتاح لها منافذ عديدة للاتصال بدول مواطنيها المهاجرين. وتضم الطاقة العمالية النشطة أكثر من 100 مليون برازيلي يعملون في ميادين الاقتصاد البرازيلي الزراعي- الصناعي- التجاري والخدماتي.
عرب البرازيل
حفلت أمريكا الجنوبية عموماً والرازيل على وجه الخصوص بهجرات عربية كبيرة بدأت منذ أمد بعيد إلا أنها ازدادت بين الحربين العالميتين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي, كما شهدت فترات الحرب الأهلية في لبنان تدفقات كبيرة من اللبنانيين للبرازيل, ويبلغ عدد تعداد عرب البرازيل أكثر من 10مليون نسمة, فهم يمثلون قوة اقتصادية ضاربة ومؤثرة البرازيل, ولعبوا أدواراً مهمة ومؤثرة في الحياة بأمريكا الجنوبية بدءاً من الرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم الذي وحتى المطربة الشعبية شاكيرا.
ويعتبر كارلوس سليم (ابن مهاجر لبناني) أغنى رجل في أمريكا اللاتينية ومؤسس ثورة الاتصالات بالمكسيك. فيما يحتل اللباني جوزيف صفرا صاحب المصرف التاسع حجماً في البرازيل المرتبة الثانية في قائمة أثرياء العرب وتقدر ثروته بأكثر من 11.4 مليار دولار. وتمتلك عائلة المفرج فندق شيراتون الأنيق في ساو باولو التي يعيش بها عرب بعاداتهم وتقاليدهم أكثر ممن يعيشون في بيروت. وكان رجل الأعمال الكبير باولو المعلوف حاكماً سابقاً للمدينة.
تدوينات فريق « أملاك»
المال ليس وحده من يهب الحياة .. !!
هذا هو حال بعض السكان الذين استقبلوا وفد الصحيفة, وهم على تواضع المكان الذي يعيشون فيه إلا أنهم يحبونه حباً مدفوناً في قلوبهم ونلحظه في قسمات وجوههم وتنضح به نظراتهم, يميلون للكتابة على الجدران ويرسمون رسوماتهم الساخرة والمعبرة مثلما يفعل الفنان «يانسكي» – مجهول الهوية – الذي يعبر عن آلاف الناس بفنه الساخر إذ يرسم ليلاً ليتفاجأ المارة بلوحاته على الجدران صباحاً.
ويتمتع سكان العشوائيات بالإنتما القوي لمناطقهم وتشعر بالود والحميمية يسيطران على طبيعة العلاقات فيما بينهم رغم ضيق ذات اليد والفقر الذي يكسو المكان .
يلفت انتباه المارة منظر ترتيب ونظام التلاميذ بزيهم الموحد وخروجهم من المدارس بلا ضوضاء مما يوحي بحبهم وتنفيذهم للوائح المدرسية.
انتشار واسع لرجال الشرطة في شوارع -سنت مارتينا – العشوائية التي قمنا بزيارتها وذلك للحد من الجريمة وتنظيف المنطقة من المشتبه فيهم. رغم هذا يسمع الناس أصوات الرصاص في أوقات متقطعة, ووجود جثة ملقاة لا يشكل حدثاً مثيراً للاهتمام أوالاتصال بالشرطة. وفي خضم ذلك تمكن الوفد وبروح المغامرة التي تزداد إثارة كلما تعمقنا أكثر في الحقائق من زيارة بعض مواقع إطلاق النار , ومشاهدة آثار ذلك على الجدران ومخلفات رمي الرصاص.
يقول سكان سنت مارتينا إن عمر العشوائيات هنا أكثر من ثمانين عاماً, نبني منازلنا بصعوبة ومشقة بالغتين, نحمل مواد البناء والحديد والأسمنت من أسفل الجبل لأعلاه ونصعد به عبر سلالم منحوتة قد تصل لـ 200 درجة. وتشاهد الكلاب منتشرة بكثرة في الشوارع وأعلا المباني, كما توجد ملاعب كرة سلة في سطح الجبل.
في إحدى جولات «فريق أملاك» المتحرك من إحدى العشوائيات علق بين مظاهرتين, فساروا من ضمن أرتال البشر الذين ضاقت بهم الشوارع , ولم يتمكنوا من مغادرة المظاهرة إلا بعد مسافة بعيدة , وتبعثر إحدى المظاهرتين.