الاستدامة في العقارات.. صيحة أم ضرورة مستقبلية؟
عبدالرحمن بن علي آل قوت
منذ سنوات، كان الحديث عن الاستدامة في قطاع العقارات يبدو كرفاهية أو »موضة» مؤقتة. لكن اليوم، تغيّرت المعادلة بالكامل. أصبح البناء المستدام هو الأساس الذي تبنى عليه المدن الحديثة، والركيزة التي تضمن استمرارية العوائد العقارية واستدامة الموارد للأجيال القادمة.
في أحد الاجتماعات التي حضرتها مع مجموعة من المطورين العقاريين، طرح أحد المستثمرين سؤالًا بسيطاً ولكنه عميق: »هل يمكن لعقار مستدام أن يحقق عوائد استثمارية أفضل من عقار تقليدي؟» كانت الإجابة واضحة وملموسة بالأرقام.
المعايير الحديثة للبناء المستدام أصبحت معياراً لا غنى عنه في الأسواق العقارية العالمية. المشاريع العقارية التي تطبق معايير مثل LEED (الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة) أو BREEAM (طريقة التقييم البيئي للمباني) تجذب اليوم المستثمرين والعملاء على حد سواء.
لماذا؟ لأن هذه المعايير لم تعد مجرد شعارات، بل تقدم فوائد ملموسة:
تقليل تكاليف التشغيل: من خلال أنظمة الإضاءة بالطاقة الشمسية، والعزل الحراري الفعّال، وإعادة تدوير المياه.
زيادة القيمة السوقية للعقار: تشير الدراسات إلى أن العقارات المستدامة ترتفع قيمتها بنسبة تصل إلى 10-15% مقارنةً بالعقارات التقليدية.
تحقيق عوائد استثمارية طويلة الأمد: العقارات المستدامة تتطلب تكاليف صيانة أقل، مما يحقق عائداً أفضل للمستثمرين على المدى الطويل.
لكن الاستدامة ليست مجرد أرقام، إنها أيضاً تجربة معيشية. في مشروع حديث كنت أتابع تطوراته، تم تصميم المساحات الخضراء لتغطي أكثر من 40% من المساحة الإجمالية. النتيجة؟ زيادة جودة الهواء، وتحسين الصحة العامة للسكان، وزيادة الرغبة في السكن ضمن هذا المشروع.
المفارقة هنا أن الاستدامة ليست مجرد التزام بيئي، بل هي قرار اقتصادي حكيم. في سوق يتسم بالتنافسية وارتفاع تكاليف الطاقة، أصبح الاستثمار في مشاريع عقارية مستدامة هو الخيار الأكثر ذكاءً للمستقبل.
إذاً، هل الاستدامة صيحة أم ضرورة؟ الجواب بسيط: إنها ضرورة مُلحة. العقارات التي تتجاهل معايير الاستدامة اليوم، لن تكون قادرة على المنافسة في المستقبل.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم، هل نحن مستعدون لبناء مدن لا تعيش فقط في الحاضر، بل تستثمر للمستقبل؟
alqoot@gmail.com