العدو الأول .. د. حسام يوسف

كل انسان يولد ومعه حزمة من الأحداث والحظوظ، تأتي في ثوب مجموعة قليلة من الفرص، مقابل التحديات الجمة التي تترصده في حياته، والعقبات والعراقيل التي توصد الأبواب أمامه، إلى جانب بعض المهدئات والمرطبات التي تأتي على فترات متباعدة، بزواج، أو بتعيين في وظيفة، أو بتحقيق حلم ما .

لحظة التحدي الحقيقية تبدأ حينما ينفصل المولود عن أمه وينقطع الحبل السري، فيبدأ التحدي الأول في أن يبقى على قيد الحياة، وتستمر التحديات على كافة الصعد والمستويات وفي كل المراحل إلى أن ينتهي العمر ولا تنتهي التحديات، التي تخطفنا منذ لحظة الميلاد، خلال رحلة قصيرة، معقدة، حيث يتلاعب بنا القدر وتمضي بنا الخطوب كيفما تشاء، وتتغير مراكزنا ومواقعنا، وتتبدل علاقاتنا مع المحيطين بنا عشرات المرات ونتبادل الأدوار الحياتية بيننا وبين الآخرين، لتقاطع المصالح واختلاف الأهواء والأشربة، وتباين المواقف، فيتحول صديق الأمس الى عدو اليوم، وعدو الامس الى  صديق حميم، وهكذا في علاقات لا تخضع لأي منطق . . وبرغم كل هذه الأحداث هناك شخص واحد لا يجب أن يتغير أو يبدل مواقفه، مبادئه أو معتقداته بنفس السرعة التي تتبدل بها الدنيا من حوله، إنه أنت .

في هذه الحياة، يعاني الإنسان مهما بلغت درجة رفاهيته وثرائه، فليس هناك مهرب من المعاناة، وان اختلفت في حجمها وطريقتها، ومستوى قسوتها، فالجميع يدفع ثمن وجوده في هذه الدنيا، وهي لا تطلب الثمن غالباً من جيوبنا إنما تنتزعه انتزاعا من نفوسنا، وأجهزتنا العصبية، ومن مشاعر الشوق واللهفة والقلق، وأشياء ليست بالمال وحده نستطيع اقتناءها والحصول عليها .

ومن دون شك أن الإنسان وسلوكه وردود أفعاله الداخلية تشكل جزءا من التحديات والعوائق أمامه في الحياة، فالرسائل السلبية التي نرسلها لأنفسنا هي أول أعدائنا، وطليعة جنود جيش اليأس في نفوسنا، فإذا كنا بصدد القيام بعمل جديد ينطلق صوت داخلي ليخبرك أن المهمة صعبة وربما تفشل في القيام بها، إلى آخر هذه الرسائل المحبطة التي تجعل الإخفاق يتمكن منا ويمسك بتلابيب أوقاتنا .

dr_hossam22@yahoo.com

Exit mobile version