شدد مجلس الغرف السعودية في تقرير أصدره حول قطاع العقار بالمملكة والتطورات التي تنتظره في الفترة القادمة، على وجود عدد من التحديات التي تواجه هذا القطاع على الرغم من الأهمية التي تمثلها سوق العقارات للاقتصاد الوطني وقدرته الواسعة على النمو والازدهار، وقال إن هذه التحديات ستحدد مستقبل هذا القطاع ودوره في مسيرة التنمية الوطنية، من حيث حجم الاستثمارات، ومعدل النمو، وخلق فرص العمل، وتلبية الطلب المتزايد على الوحدات العقارية المخصصة لمختلف الأغراض، وكذلك كسب المنافسة على سوق العقارات في المملكة وفي منطقة الخليج عموما.
وأوضح التقرير أن أبرز تلك التحديات تتمثل في النجاح بسد الفجوة الكبيرة بين الطلب المحلي المتزايد على العقارات بصفة عامة والمساكن بصفة خاصة والمعروض منها، حيث لم تفلح الطفرة العقارية الحالية في سدها نتيجة نقص العقارات المخصصة للنشاط التجاري مقارنة بالطلب عليها، وكذلك نتيجة لتوجه معظم المشاريع العقارية إلى تلبية حاجات الطبقات الميسورة التي لا تمثل سوى فئة بسيطة من المجتمع.
التمويل أهم التحديات
كما تتمثل التحديات في توفير التمويل اللازم لهذا القطاع من مصادر متعددة وبشروط ميسرة للمستثمرين، وقيام الدولة بمساعدة المستثمرين من خلال تقديم قروض بشروط ميسرة، حيث إن من أهم المشكلات التي تواجه هذا القطاع، تردد البنوك في منحه التمويل ووضع الشروط الصعبة أحيانا، وهو أمر أصبح واضحا خلال عام 2009 في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتوطين الوظائف بقطاع العقارات، وخاصة في مهن التسويق والدراسات والاستشارات والتصميمات والتشغيل والصيانة، وذلك من خلال إيجاد العمالة المدربة، وتوفير الكوادر الوطنية المؤهلة للعمل بقطاع العقارات من مهندسين وفنيين.
ولفت التقرير كذلك إلى التحدي الخاص بنسبة السعودة والحد من استقدام العمالة الأجنبية، الذي يلزم المنشآت العقارية بتحقيق نسبة سعودة تصل إلى 10 في المائة والتي تم تخفيضها إلى 5 في المائة، حيث يمكن الاستفادة من ذلك بالعمل على توفير برامج متخصصة للتدريب والتوظف في المهن الخاصة بقطاعات العقارات والإنشاءات والصيانة للعمالة السعودية، وأيضاً أهمية التزام المستثمرين بدراسات الجدوى الاقتصادية في إقامة مشاريعهم العقارية، والتزامهم بالمخططات العقارية، وذلك لتجنب الكثير من المخاطر، وتجنب التضخم غير المبرر في الأسعار، والناشئ عن تداول العقار من مستثمر لآخر.
وأضاف التقرير أن النجاح في المحافظة على استقرار أسعار مواد البناء خاصة الإسمنت والحديد، يمثل تحدياً آخر للقطاع العقاري، وذلك حتى لا يؤثر على عقود المقاولين، وحتى لا يؤثر في النهاية على أسعار هذه العقارات.
مستقبل مزدهر ينتظر العقار
وأكد التقرير أنه في حال نجحت الجهود في تطويق هذه التحديات وإيجاد حلول لها فإن القطاع العقاري ينتظره مستقبل مزدهر، مع التسليم بأهمية الدور الذي يلعبه القطاع في السعودية كقطاع محوري لعمليات التنمية التي تعيشها البلاد خلال المرحلة الحالية، ولإسهامه المباشر في دفع عجلة النمو، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحريك النشاط الاقتصادي في الكثير من الصناعات والأنشطة الأخرى المرتبطة به.
وذكر التقرير أن قطاع العقارات بالمملكة يشهد معدلات نمو مرتفعة في كافة النواحي، خاصة في بناء المساكن وقيام المشاريع العمرانية والمدن الاقتصادية الكبرى، واتجاه المستثمرين إلى هذا النوع من الاستثمارات الآمنة قليلة المخاطر، بالمقارنة بالأنواع الأخرى من الاستثمارات، مشيرا إلى أن عدة عوامل ساهمت في زيادة نمو وانتعاش قطاع العقارات.
وبين تقرير مجلس الغرف السعودية بعض تلك العوامل التي أشار إليها أن منها الخسائر المتتالية التي شهدتها سوق الأسهم في السنوات الأخيرة، وأدت إلى قيام الكثير من المستثمرين بتغيير مسار استثماراتهم والتحول إلى الاستثمار العقاري، إضافة إلى حالة الازدهار الاقتصادي وتزايد حجم السيولة، والزيادة السكانية المضطردة، وما يرتبط بها من تزايد الطلب على الوحدات السكنية، ودور الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتدعيم هذا القطاع مؤخرا.
وتناول التقرير الذي حمل عنوان «القطاع العقاري قاطرة النمو الاقتصادي في المملكة» الدور الاقتصادي للقطاع، والوضع المستقبلي لسوق العقارات، والعوامل المؤثرة فيه عرضها فيما يلي:
الدور الاقتصادي لقطاع العقارات
يساهم قطاع العقارات في المملكة بدور هام في النشاط الاقتصادي، من خلال مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص العمل، وفي خلق فرص استثمارية جديدة لأصحاب الأعمال ولمدخرات المواطنين، ولتلبية تزايد الطلب على الوحدات السكنية، والعمل على تخفيض تكاليف هذه الوحدات.
وأوضح التقرير وجود الكثير من المؤشرات التي تعكس دور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني بصورة واضحة وأهم هذه المؤشرات: مساهمة قطاع العقارات في الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشير بيانات خطة التنمية إلى أن قطاع العقارات في المملكة يحتل المرتبة الثانية في الاقتصاد الوطني بعد قطاع البترول، ويساهم بنحو 55 مليار ريال (14.6 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي، وبنحو 9.5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي، وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي لقطاع العقارات ارتفع بنسبة 50 في المائة خلال الفترة من 1999 حتى 2008، بمعدل نمو سنوي متوسط 5 في المائة.
كما يصف مؤشر حجم الاستثمار في القطاع العقاري بوجود تفاوت كبير في تقديرات حجم الاستثمارات في القطاع العقاري، وذلك بسبب عدم وجود جهة تعمل كمرجعية رسمية للقطاع العقاري وترصد تطور هذا القطاع بشكل دقيق، وهو ما يؤكد أهمية إنشاء الهيئة العليا للعقار، إلا أن المؤشرات توضح أن هناك استثمارات كبيرة بدأت بالتدفق نحو القطاع العقاري في المملكة، وأن حجم الاستثمار في القطاع العقاري سيتجاوز 82 مليار ريال (21.8 مليار دولار) خلال الثلاث سنوات المقبلة.
ثاني المصادر، يتمثل في رؤوس الأموال السعودية التي بدأت في العودة للاستثمار في المملكة بعد الأزمة المالية العالمية، في حين يتضمن ثالث المصادر زيادة توجه مدخرات الأفراد نحو الاستثمارات العقارية باعتبارها مربحة وتحقق دخلا مناسبا، خاصة بعد أن أصبح الاستثمار العقاري مهنة لكثير من أفراد المجتمع السعودي.
484 مليار ريال استثمارات متوقعة
وأشار التقرير إلى أنه في ضوء هذا النمو هناك توقعات بأن تصل الأموال المستثمرة في بناء العقارات الجديدة حتى عام 2020 نحو 484 مليار ريال (129 مليار دولار)، ويمكن اعتبار تراخيص البناء الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية مؤشرا لنمو الاستثمارات في هذا القطاع، حيث يتوقع أن تصل هذه التراخيص عام 2010 نحو 37 ألف رخصة.
وقال التقرير إن الاستثمارات مطلوبة وبشكل ملحّ، من أجل تلبية تزايد الطلب على مختلف المنتجات العقارية من أراضٍ وعقارات سكنية واستثمارية وتجارية ومنفعة عامة، مثل التقسيمات الصناعية والزراعية والشاليهات، والفنادق، والمدارس، والمستشفيات، والأسواق التجارية، والمصانع وغيرها.
وبين أن حجم الطلب على العقارات تزايد بمختلف تقسيماتها في المملكة خلال السنوات الأخيرة، سواء كانت عقارات مخصصة للسكن أو للنشاط التجاري، وجاء ذلك نتيجة لعدة عوامل، أهمها الطفرة الاقتصادية التي تشهدها المملكة في الوقت الراهن.
وأضاف أن أغلب العوامل تشير إلى تزايد الطلب بشكل واضح على العقارات في المملكة، مبينا أن التقديرات تشير إلى أنه لتلبية هذا الطلب يتطلب الأمر بناء ما بين 164 ألفا إلى 200 ألف وحدة سكنية سنويا، كما أنه يجب إنشاء 2.62 مليون وحدة سكنية حتى 2020.
وذكر التقرير أنه من الملاحظ أن آثار تزايد الطلب العقاري بدأت تنعكس على نشاط هذا القطاع العقاري ككل، حيث تضاعفت قيمة الصفقات العقارية بالمملكة عام 2009، التي تجاوزت نحو تريليون ريال (266 مليار دولار) عام 2008.
وبحسب مجلس الغرف السعودية، فإن بعض التقارير تؤكد أن الطلب على العقارات سيشهد مزيدا من النمو، عندما يتم حل مشكلة التمويل العقاري في السنوات المقبلة، حيث يعتبر ذلك عاملا مهما في نمو القطاع العقاري.
طفرة غير مسبوقة
وعن مستقبل القطاع العقاري بالمملكة، توقع مجلس الغرف السعودية من خلال التقرير، أن تشهد الفترة القادمة ازدهارا للقطاع العقاري، حيث يتوقع أن يصبح من أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار، في ظل تحول الكثير من المستثمرين، ومدخرات الأفراد نحو هذا القطاع، بما يعني أن القطاع مقبل على طفرة غير مسبوقة يؤكدها توفر السيولة والتمويل وتوفر الطلب ووجود مبادرات ضخمة للاستثمار في هذا القطاع، ويدعم ذلك الشواهد المتمثلة في معدلات النمو غير المسبوقة في قطاع العقارات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والخليج بصفة عامة.
وتجاوز حجم الاستثمار في صناعة التشييد والبناء في الشرق الأوسط أكثر 300 مليار دولار، ويتوقع أن تزداد هذه الصناعة بنسبة 10 في المائة سنويا، الأمر الذي يجعل هذا القطاع مهيأ لاستقبال الكثير من الأفكار التطويرية الجديدة في إنشاء المباني وتبني التقنيات الحديثة والمتخصصة والمخفضة لتكاليف الإنشاءات على المدى الطويل.
ويأتي عامل اهتمام الدولة بالقطاع العقاري وزيادة الجزء المخصص له في الموازنة العامة للدولة لعام 2010 ضمن العوامل التي ستساعد على تنمية القطاع، كما يتضمن ذلك زيادة المخصصات للمستفيدين من القروض العقارية والمنشآت، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتشجيع المستثمرين لإنشاء المشاريع الحكومية التي تتضمنها الموازنة العامة، من خلال منح تسهيلات نوعية لقطاع المقاولات.
مستقبل القطاع العقاري
أوضح التقرير أنه في ضوء التحليل السابق لواقع قطاع العقارات في المملكة، يتضح أن الفرصة سانحة أمام هذا القطاع أكثر من أي وقت مضى، لضخ المزيد من الاستثمارات لتوفير العقارات التي تلبي الاحتياجات الأساسية للسوق لأغراض السكن ولأغراض النشاط التجاري والسياحي وغيرها، ولكن عند الحديث عن فرص نمو هذا القطاع لا بد من الأخذ في الاعتبار العوامل المؤثرة في مستقبل هذا القطاع، التي من الممكن أن تؤثر على نموه بشكل كبير.
ولفت تقرير مجلس الغرف إلى أن تحسن مناخ الاستثمار عموما، وخاصة ما يتعلق بوجود حوافز لرأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار في القطاعات الإنتاجية ومنها قطاعا السياحة والصناعة، وسينعكس أثره حتما على قطاع العقارات بتوجيه بعض الفوائض له، وخلق مزيد من الطلب على الوحدات العقارية المخصصة لمختلف الأنشطة والأغراض.
إضافة إلى الدور البالغ الأهمية للتمويل العقاري الذي أصبح مطلبا ملحا لجميع العاملين في القطاع العقاري بالمملكة، وسيعزز أثر كل هذه العوامل المشروعات الضخمة التي تم تخصيص مبالغ لها في الموازنة العامة للدولة، التي يتوقع لها أن تحول المملكة إلى ورشة كبيرة للبناء والتشييد العقاري خلال السنوات القادمة.