تحدثت فيما مضى في مقال بعنوان “العقار وترليونات المستقبل” عن أهمية تكثيف القطاع الخاص الوطني لاستعداداته المُمرحلة ليوازي القفزات المتتالية في متغيرات السوق؛ وإلا سيكون ضحية سهلة للشركات الكبرى والتي بدأت في ترتيب بيتها من الداخل لتقديم خدماتها، وكما شرحنا في مقالات سابقة سيكون البقاء للأقوى في عالم الاستثمار والمنافسة.
لم يمضي عام وشهر على هذه التلميحات، وإلا وطالعتنا الأخبار والتقارير بأن هنالك طلباً متزايداً لإلغاء الرخص التجارية وتجميد ممارسة بعض الأعمال والأنشطة الاقتصادية، حيث بلغ عدد طلبات إلغاء رخصة تجارية في العام الماضي 2021 أكثر من 324,054 طلباً، بمعدل يقدر بنحو 900 طلب يومياً، فيما تلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان 361,772 طلباً لإصدار رخصة تجارية (فورية عادية)، أي أن الزيادة في عدد الرخص بلغ 37,718 رخصة، ومن واقع هذه الإحصائيات يجب أن تُدار نقاشات وورش عمل للمهتمين والباحثين، وخاصة أن الكل يعلم بأهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بناء الاقتصاد الجزئي والكلي، هل هنالك تخبط في توجهات بعض المستثمرين؟! أم أن هنالك خللٌ في دراسات الجدوى التي قامت عليها الأنشطة التي غادر أصحابها المجال؟ أم أن الخارطة الاستثمارية فعلاً قد تغيرت وأصبحت ذات طابع قوي يعتمد على ركائز متينة من الحماية ضد متغيرات الحياة.
ويمكن أن تؤثر ظاهرة إلغاء الرخص التجارية في تشويش المشهد الاقتصادي العام مالم يتم تداركها أو شرح الغاية منها، إذ لا يمكن أن يكون معدل المخارجة من السوق بمعدل 900 رخصة يومياً، كما أشارت التقارير، وفي نفس الوقت تسعى حكومتنا الرشيدة لاستقرار المؤسسات بتسهيل الاستثمار وتنظميه، بل وذهبت لأبعد من ذلك برفع ميزانية الإنفاق الحكومي إلى 27 تريلون ريال.
هذه الميزانيات الكبيرة ستكون سبباً في إنعاش الأعمال وتجديد الدماء فيها، هذا الدعم الحكومي السخي والتسهيلات التقنية التي نفذتها الجهات المختصة من إجراءات، تجعلنا نتساءل مجدداً عن الأسباب الحقيقية التي تغادر بها السجلات التجارية السوق، وماهي الحلول الناجحة لذلك.