جمعتني الصدفة بأحد الأبطال السابقين في رياضة القفز بالمظلات، تلك الرياضة التي كنت أراقبها بشغف شديد، وسألته كيف يتدرب اللاعبون على هذه الرياضة الخطرة، فقال في البداية ندربهم على القفز من ارتفاع لا يتجاوز 20 متراً، ثم نزيد الارتفاع تدريجياً، يقفزون من برج ارتفاعه 30 متراً، ثم يلي ذلك القفز من الطائرة وهي تحلق فوق الماء على ارتفاع 150 متراً، وهذه تكون بداية التدريب الفعلي على استخدام المظلة وفتحها، وبعد ذلك تتوالى التدريبات وتزيد الارتفاعات وقد تصل أحياناً إلى كيلومترات عدة في الفضاء .
المدهش في الأمر أن من قوانين هذه الرياضة الخطرة التي قد تكلف الشخص حياته، أنه غير مسموح لأي زميل أن يطوي مظلة زميله أو يعتني بها، بأي صورة من الصور، فكل عضو في فريق القفز مسؤول مسؤولية كاملة عن العناية والاهتمام بمظلته قبل القفز وبعده، فهو بعد كل قفزة يعيد طيها في الحقيبة الخاصة بها التي يحملها على ظهره أثناء التحليق في الفضاء، والوحيد الذي يتحمل مسؤولية سلامتها هو اللاعب ذاته، لأنها في حالة عدم فتحها ستكون النهاية المحتومة وهي الموت، لا قدر الله .
نحن كذلك في حياتنا اليومية، هناك أشياء لا يمكن أن نعهد لأحد أن يهتم بها، نحن فقط الذين يجب أن نعتمد على أنفسنا في تنميتها وتعهدها بالرعاية والاهتمام، مثلاً عقولنا وأجسادنا بالنسبة إلينا بمثابة المظلة التي يستخدمها اللاعب أثناء الهبوط، فنحن في سني عمرنا الأولى تكون خبراتنا قليلة وتجربتنا ضحلة، وأجسادنا قوية، وآنذاك ليس مطلوباً منا سوى أن ننمي عقولنا بالقراءة والاطلاع، ونحافظ على صحتنا وطاقتنا من الاستنزاف، لأننا في وقت شيخوختنا نكون أحوج إليها من شبابنا، وقد لا نجدها .
إن المعادلة تسير بشكل عكسي، فمع تقدم العمر تزداد الخبرة ويرتفع رصيد المعرفة، وتتراجع الصحة، وتخور القوة التي إذا لم ندخرها سوف تخذلنا في المراحل المتقدمة، كأنها تتعمد محاسبتنا في وقت وهننا وضعفنا، وقد نحتاجها في وقت، فنفاجأ بأن المظلة لا تعمل .
محكم دولي لقضايا التحكيم التجاري
غرفة الشارقة- دولة الامارات