بعد أن تحدثنا في العدد السابق عن التحكيم الحر نتحدث في هذا العدد عن التحكيم المؤسسي:
فالتحكيم المؤسسي :
هو ذلك التحكيم الذي تتولاه هيئات ومنظمات دولية أو وطنية, وفق قواعد واجراءات موضوعية ومحددة سلفا, تحددها الاتفاقيات الدولية أو القرارات المنشئة لهذه الهيئات, وقد شاع انتشار مراكز التحكيم, وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية, وعظمت أهميتها بعد انتشار الاقتصاد الحر والتجارة الدولية, ومن هذه المراكز ما هو متخصص في مجال معين ومنها ما هو عام يتولى التحكيم في مختلف المجالات ومختلف أوجه النشاط التجاري, ومنها ما هو وطني مثل غرفة التحكيم بباريس, ومنها ماهو دولي كغرفة التجارة الدولية بباريس ومركز التحكيم الخليجي ومركز القاهرة الأقليمي والمركز السعودي للتحكيم التجاري.
وكل هذه المؤسسات السالفة الذكر توصف بالتخصص والدوام لأن التحكيم هو وظيفتها الوحيدة, وهي أيضا دائمة لأنها لا تقف عند عملية تحكيم بعينها بل هي مستمرة لتلقي ما يعهد إليها من عمليات تحكيمية.
ولقد أصبح التحكيم المؤسسي هو الأساس في مجال التجارة الدولية, فالأطراف عادة ما يفضلون الاستعانة بأنظمة التحكيم المؤسسي لما تكفله من تنظيم مسبق ومفصل لمعظم مسائل التحكيم,مما يمكنهم من تفادي مسألة عدم الخبرة في وضع قواعد وإجراءات التحكيم واستهلاك مزيد من الوقت في الاتفاق على هذه القواعد كما هو الحال في نظام التحكيم الحر, هذا فضلا عن الامكانات الادارية والمالية والتنفيذية التي تتمتع بها تلك الهيئات وتضعها بين أيدي الأفراد وكذا الخبرة التي تتمتع تلك الهيئات نظرا لوجود قواعد عملية وواقعية تم تجربتها وثبت نجاحها في العديد من المنازعات التي فصلت فيها.
ومن جانب آخر، فإن التحكيم المؤسسي يعطي لمؤسسة التحكيم المحال لها النزاع، صلاحيات معينة قبل وأثناء نظر النزاع من قبل هيئة التحكيم، حسبما تنص عليه قواعدها. وتكون المؤسسة عندئذٍ هي صاحبة الصلاحية في حدود ما هو منصوص عليه في تلك القواعد. ولكن إذا حصل نزاع في الصلاحية بالنسبة لمسألة معينة بين القضاء الوطني ومؤسسة التحكيم، وكانت تلك المسألة من النظام العام، فلا يجوز نزع الصلاحية من القضاء الوطني، وإعطائها لمؤسسة التحكيم، وأي اتفاق على غير ذلك يكون باطلاً. ويكون البطلان جزئياً بالنسبة لتلك المسألة دون غيرها.