يواصل سوق العقارات السعودي نموه التصاعدي بفضل المشاريع العملاقة والمبادرات الاستراتيجية التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية وتعزيز الأنشطة الاقتصادية. ووفقًا لتقرير حديث صادر عن شركة “جيه إل إل” المتخصصة في الاستشارات والأبحاث العقارية، فإن قطاعي العقارات السكنية والضيافة قد شهدا أداءً قويًا في النصف الأول من عام 2024، مدفوعًا بالجهود الحكومية الرامية إلى تعزيز تملّك المنازل وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات السياحية، إلى جانب تنشيط العروض الترفيهية والأنشطة الرياضية.
قطاع العقارات السكنية: أداء قوي واستمرار التوسع
أشار تقرير “جيه إل إل” إلى أن قطاع العقارات السكنية في السعودية شهد بداية قوية خلال النصف الأول من عام 2024، مع دخول 27.5 ألف وحدة سكنية جديدة إلى سوق مدينتي الرياض وجدة. منها 16.2 ألف وحدة في الرياض و11.3 ألف وحدة في جدة، ما رفع إجمالي المخزون السكني في الرياض إلى 1.46 مليون وحدة وفي جدة إلى 891 ألف وحدة.
ورجّح التقرير أن يتم إضافة 16 ألف وحدة سكنية أخرى في كل من الرياض وجدة خلال النصف الثاني من العام 2024. في هذا السياق، شهدت أسعار بيع العقارات السكنية في الرياض ارتفاعًا بنسبة 10% على أساس سنوي، كما ارتفع متوسط الإيجارات بنسبة 9%، ما يعكس قوة الطلب المتزايد. بينما سجلت جدة معدلات نمو أقل حيث ارتفعت أسعار البيع بنسبة 5% والإيجارات بنسبة 4% خلال نفس الفترة.
ورغم ارتفاع تكاليف البناء وتعقيدات المشاريع العملاقة، إلا أن سوق العقارات السكنية في السعودية يظهر مرونة قوية، مستفيدًا من دعم حكومي كبير ومبادرات تسهّل الحصول على التمويل وتملك المنازل. وأشار التقرير إلى توجه القطاع نحو مزيد من التوسع، خصوصًا في مناطق جديدة مثل مدينة الخبر التي تشهد نشاطًا عقاريًا متزايدًا، حيث حافظت أسعار البيع على استقرارها، فيما ارتفعت الإيجارات بنسبة 4% سنويًا.
قطاع الضيافة: نمو ملحوظ مدفوع بالتوسع السياحي
على صعيد آخر، أشار التقرير إلى أن قطاع الضيافة في السعودية يسجل نموًا غير مسبوق، حيث تستعد المملكة لاستقبال 150 مليون زائر بحلول عام 2030. وقد ارتفع متوسط إشغال الفنادق بنقطة مئوية واحدة في النصف الأول من 2024، بينما ارتفع متوسط السعر اليومي بنسبة 7%، والإيرادات لكل غرفة متاحة بنسبة 8%.
وسجلت المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة ارتفاعات ملحوظة في إيرادات الغرف المتاحة، بنسبة 4% و15% على التوالي. وفي الرياض، ارتفع متوسط السعر اليومي بنسبة 25% بسبب زيادة زيارات الشركات وتمركز الفعاليات المؤسسية في العاصمة.
وتوقعت “جيه إل إل” أن يواصل قطاع الضيافة النمو مدعومًا بمشاريع ضخمة واستثمارات سياحية هائلة تُقدّر بنحو 800 مليار دولار على مدى العقد المقبل. إضافة إلى استضافة المملكة لمجموعة من الفعاليات العالمية المهمة مثل كأس آسيا 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، ومعرض “إكسبو 2030″، وكأس العالم 2034. وأشار التقرير إلى أن نظام تصنيف الخدمات الفندقية الذي تم اعتماده مؤخرًا سيساهم في رفع جودة الخدمة ومعالجة التحديات قصيرة الأجل، ما يعزز الأداء على المدى الطويل.
قطاع المكاتب: استمرارية التنافسية وزيادة الطلب
يواصل قطاع المساحات المكتبية في السعودية تنافسيته العالية، حيث يستفيد من الطلب المتزايد من قبل الشركات المحلية والدولية. وتمت إضافة 52 ألف متر مربع من المساحات المكتبية الجديدة في الرياض خلال النصف الأول من العام 2024، ليصل إجمالي المعروض إلى 5.2 مليون متر مربع. بينما بقي مخزون جدة ثابتًا عند 1.21 مليون متر مربع، ومن المتوقع أن يتم إضافة 249 ألف متر مربع من المساحات المكتبية في الرياض و48 ألف متر مربع في جدة خلال النصف الثاني من العام.
أشار التقرير إلى أن الطلب على المكاتب المؤسسية عالية الجودة ارتفع بشكل ملحوظ، لا سيما في المنطقة الشمالية من الرياض، التي تتميز بسهولة الوصول وازدحام مروري أقل وتوافر مساحات مكتبية متميزة. ونتيجة لذلك، ارتفعت إيجارات الفئة (أ) في الرياض بنسبة 19% سنويًا لتصل إلى 2090 ريالًا للمتر المربع. كما شهدت جدة زيادة سنوية في إيجارات الفئة (أ) بنسبة 11% لتصل إلى 1335 ريالًا للمتر المربع.
كما أوضح التقرير أن الهيئات الحكومية في منطقة الدمام تعزز الطلب على المساحات المكتبية، ما أدى إلى ارتفاع متوسط الإيجارات بنسبة 10% حتى الربع الثاني من 2024. وأشار إلى أن الشركات العاملة في السعودية تستفيد من بيئة استثمارية مشجعة وتسهيلات حكومية، مما يعزز الطلب على مساحات مكتبية جديدة ويشجع على توسيع وترقية المكاتب القائمة.
آفاق مستقبلية واعدة لسوق العقارات السعودية
من المتوقع أن يستمر قطاع العقارات في السعودية في النمو على مدى السنوات المقبلة، حيث تلعب مشاريع رؤية 2030 دورًا محوريًا في دعم هذا القطاع. ومع تزايد الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية وتوسيع المدن، ستشهد المملكة توسعًا غير مسبوق في قطاعي السكن والضيافة، إلى جانب تزايد الطلب على المساحات المكتبية والمرافق التجارية.
وأشارت “جيه إل إل” إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الحكومية التي تهدف إلى تعزيز التنوع الاقتصادي ستعزز من جاذبية السوق السعودية للاستثمار العقاري، مما يخلق فرصًا جديدة للمستثمرين المحليين والدوليين. كما أن النمو المستمر في قطاعات السياحة والترفيه والمشاريع العملاقة مثل نيوم والقدية يُسهم في دعم استقرار السوق وتحقيق المزيد من الازدهار.
في الختام، يبقى سوق العقارات في السعودية من الأسواق الأكثر حيوية في المنطقة، ويستعد لمواصلة مسيرة النمو مدعومًا بمبادرات استراتيجية واستثمارات حكومية ضخمة، مما يعزز مكانته كوجهة استثمارية رئيسية على الصعيد العالمي.