الشقق الصغيرة (الاستديوهات): خيارٌ أمثل.. أم حاجة فرضتها تقلبات الحياة الحديثة
استطلاع: عبدالله الصليح
تواجه العديد من المدن اليوم تحديات كبيرة في توفير السكن المناسب لشريحة كبيرة من سكانها، وخاصة الشباب، ومع ازدياد تكاليف المعيشة وتقلص مساحات الأراضي المتاحة، أصبح بناء وحدات سكنية صغيرة مثل الاستوديوهات والشقق الصغيرة خيارًا استراتيجيًا يُمكن أن يسهم في حل مشاكل السكن. سنتناول في هذه المساحة كيفية تأثير هذا التوجه على القطاع العقاري، مع تسليط الضوء على الفوائد والتحديات المرتبطة به.
م.أحمد الجهني: الشباب في المدن الكبرى يفضلون الشقق الصغيرة
بدايةً، أوضح م.أحمد الجهني، عضو الجمعية الأمريكية للوسطاء العقاريين NAR، أن الاستوديوهات والشقق الصغيرة تُعتبر خيارًا أكثر ملاءمة للشباب ذوي الدخل المحدود، غالبًا ما تكون أسعار هذه الوحدات أقل من العقارات الأكبر حجمًا، مما يُسهّل على الشباب دخول سوق العقارات سواء كمشترين أو مستأجرين.
الوحدات السكنية الصغيرة: الحل السكني المثالي لجيل الشباب؟
وأبان الجهني أن العديد المدن تواجه اليوم تحديات كبيرة في توفير السكن المناسب لشريحة كبيرة من سكانها، وخاصة الشباب. مع ازدياد تكاليف المعيشة وتقلص مساحات الأراضي المتاحة، أصبح بناء وحدات سكنية صغيرة مثل الاستوديوهات والشقق الصغيرة خيارًا استراتيجيًا يُمكن أن يسهم في حل مشاكل السكن. سنتناول كيفية تأثير هذا التوجه على القطاع العقاري، مع تسليط الضوء على الفوائد والتحديات المرتبطة به.
وحدد الجهني عدد من الأسباب التي تجعل الوحدات السكنية الصغيرة حلاً مناسبًا للشباب، ذكر منها:
- القدرة على تحمل التكاليف: تُعتبر الاستوديوهات والشقق الصغيرة خيارًا أكثر ملاءمة للشباب ذوي الدخل المحدود. غالبًا ما تكون أسعار هذه الوحدات أقل من العقارات الأكبر حجمًا، مما يُسهّل على الشباب دخول سوق العقارات سواء كمشترين أو مستأجرين.
- الحياة الحضرية: يفضل الكثير من الشباب العيش في المدن الكبرى، حيث تتوافر فرص العمل والخدمات الاجتماعية والترفيهية. بناء وحدات سكنية صغيرة في تلك المناطق يساعد على استغلال المساحات المتاحة بشكل أكثر كفاءة، ويُلبي الطلب المتزايد على السكن في المناطق المكتظة.
- المرونة والتنقل: الوحدات السكنية الصغيرة تتيح للشباب مرونة أكبر في الانتقال بين المناطق دون الحاجة إلى الالتزامات المالية الكبيرة التي تأتي مع شراء أو استئجار عقار كبير. هذا يناسب نمط حياة الشباب الذين قد يغيرون مكان إقامتهم بسبب العمل أو التعليم.
- نمط الحياة البسيط: يتبنى العديد من الشباب اليوم أسلوب حياة بسيط ومعتدل، يتطلب مساحة سكنية أقل ويعتمد على الكفاءة في استخدام المساحات. الشقق الصغيرة تُقدم حلاً مثاليًا لهذه الفئة التي تسعى إلى تقليل التكاليف والمسؤوليات.
وأوضح الجهني أن تأثير الوحدات السكنية الصغيرة على أسعار العقارات يتباين بناءً على عدة عوامل، ومنها العرض والطلب في السوق المحلي. وذكر بعض الطرق التي قد تؤثر بها هذه الوحدات على السوق العقاري، منها:
- زيادة العرض واستقرار الأسعار: مع بناء المزيد من الوحدات السكنية الصغيرة، يزداد العرض في السوق، مما يؤدي إلى تخفيف الضغط على الأسعار. هذه الوحدات توفر خيارات سكنية ميسورة التكلفة للمشترين والمستأجرين، وبالتالي قد تؤدي إلى استقرار أسعار العقارات أو حتى انخفاضها في بعض المناطق.
- استهداف شرائح جديدة من السكان: الوحدات الصغيرة تجذب شريحة واسعة من الشباب والمستأجرين الباحثين عن خيارات سكنية بأسعار معقولة. هذا يزيد من الطلب على الوحدات الصغيرة تحديدًا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في أسعار هذه النوعية من العقارات إذا لم يتناسب العرض مع الطلب.
- تأثير الوحدات الصغيرة على العقارات الكبيرة: مع تزايد تفضيل الوحدات الصغيرة نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة أو التحولات في نمط الحياة، قد ينخفض الطلب على العقارات الكبيرة مثل المنازل العائلية أو الفلل. هذا قد يؤدي إلى تباطؤ أو حتى انخفاض أسعار العقارات الكبيرة في بعض الأسواق، حيث يصبح العرض أكبر من الطلب.
وأفاد الجهني أنه على الرغم من الفوائد العديدة لبناء الوحدات السكنية الصغيرة، إلا أن المطورين العقاريين يواجهون عدة تحديات عند تنفيذ هذه المشاريع تتمثل في:
- التكاليف الثابتة: على الرغم من أن الوحدات الصغيرة تتطلب مساحات أقل، إلا أن التكاليف الثابتة مثل التصاريح والبنية التحتية قد تجعل تكاليف البناء لكل متر مربع أعلى مقارنة بالمشاريع الأكبر.
- التصاريح والقوانين المحلية: في بعض المناطق، قد تفرض القوانين المحلية قيودًا على حجم الوحدات السكنية أو نسبة الوحدات الصغيرة المسموح بها داخل المجمعات. هذه التنظيمات تجعل من الصعب على المطورين تحقيق التوازن بين متطلبات الحكومة واحتياجات السوق.
- البنية التحتية والخدمات: يجب توفير خدمات ملائمة مثل مواقف السيارات والكهرباء والمياه والتدفئة، وهذا قد يكون تحديًا في المشاريع التي تضم عددًا كبيرًا من الوحدات الصغيرة في مساحة محدودة.
- التسويق: على الرغم من أن الشقق الصغيرة قد تكون جذابة لفئات معينة، إلا أن تسويقها للعائلات أو الأشخاص الذين يفضلون مساحات أكبر قد يكون أكثر تحديًا.
مع ازدياد انتشار الوحدات السكنية الصغيرة، قال الجهني: “قد تتأثر أسعار العقارات الكبيرة بعدة طرق. يمكن أن ينخفض الطلب على العقارات الكبيرة مثل الفلل، مما يؤدي إلى تباطؤ أو حتى انخفاض في أسعارها. في الوقت نفسه، قد تشهد المناطق الحضرية ذات الطلب العالي على الوحدات الصغيرة ارتفاعًا في قيمتها”.
وفي ختام حديثه لـ “أملاك” لخص الجهني فكرته بقوله: “في ظل التحديات الاقتصادية والتحولات في نمط الحياة، يمكن للوحدات السكنية الصغيرة أن تكون حلاً مثاليًا لتلبية احتياجات الشباب. ورغم أن بناء هذه الوحدات قد يواجه تحديات تتعلق بالتكاليف والقوانين، إلا أن الفوائد التي توفرها من حيث الكفاءة في استخدام المساحة وتلبية الطلب المتزايد تجعلها خيارًا مستدامًا للمستقبل. وفي نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي إلى تغييرات ملموسة في هيكل وأسعار السوق العقاري، بما يضمن توازنًا أفضل بين العرض والطلب”.
عبدالله المقبل: انخفاض أسعار العقار والإيجارات لكثرة العروض
أكد عبدالله بن سليمان المقبل، معماري، أن قرار السماح ببناء شقق سكنية صغيرة (استديو) سيؤدي إلى انخفاض أسعار العقار والإيجارات لكثرة العروض واستطاعة الفرد الحصول على بيئة سكنية مناسبة، وأشار إلى سهولة التملك لمثل هذه الشقق من الناحية المادية.
بيّن المقبل أن مثل هذه القرارات سوف تساهم مع المشاريع الضخمة الحالية للإسكان في زيادة نسبة التملك وخفض تكاليف السكن والإيجار، ونبّه إلى أن من أحد أسباب التي تجعل هذا الخيار مناسبًا؛ أن الشقق الصغيرة (الاستديو) لا تحتاج إلى فراغات وعناصر كثيرة.
وأوضح المقبل أن الشقق الصغيرة سوف تلبي احتياجات شرائح من المجتمع، خاصة مع التطور الذي تشهده المملكة حاليا من مشاريع ورؤية 2030 التي فتحت عدة مجالات في التوظيف والتوسع في جميع مناطق المملكة، واعتقد الآن الشريحة الأكبر من الشباب والشابات وتوفير مثل هذا الخيار مناسب جدا لتلبية الاحتياجات الأساسية في بداية مراحل تأسيس الحياة، وخاصة أن مثل هذا الخيار لا يحتاج الى ميزانية عالية في التأثيث والتشغيل وقد تكون مخدومة بنظام فندقي من صيانة ونظافة.
وعن التحديات التي قد تواجه المطورين العقاريين في بناء هذا النوع من الشقق، أمّن المقبل على أن المطورين قادرين على التغلب عليها، ويمكن حلها بمزيد من التنظيم وتطبيق الاشتراطات والجودة العالية في التنفيذ، وأشار إلى أن هذا الأسلوب من البناء لا يؤثر على جودة الحياة في المجتمعات السكنية، مشيرًا إلى أن توفر الخدمات والمرافق المناسبة لهذه المشاريع يكمن في اختيار المواقع المناسبة، وشدد على أن التصميم الجيد والأسعار المناسبة تكون قياسا على مكونات الاستديو الإضافية.
وختم عبدالله المقبل حديثه مع “أملاك” أن تأثير الشقق الصغيرة على الطلب العام على العقارات الأخرى الأكبر حجمًا سيكون واضحًا؛ خاصة مع تغيير في تفضيلات المشترين والمستأجرين، حيث أن بداية حياة كل شاب بعد الزواج يحتاج إلى مسكن مناسب حتى يستطيع أن يكوّن نفسه ومستقبلا يمتلك منزل له ولأسرته إن شاء الله.
غادة الدوسري: زيادة في أسعار العقارات على المدى الطويل
قالت غادة الدوسري – وسيطة عقارية، إن السماح ببناء شقق صغيرة يُعتبر خطوة استراتيجية للتعامل مع أزمة الإسكان، خاصة في المدن الكبرى والمناطق التي تعاني من نقص حاد في المساكن بأسعار معقولة للأفراد الذين يبحثون عن خيارات سكنية ميسورة التكلفة، مثل الشباب، المتنقلين، أو العاملين في بداية حياتهم المهنية، وتُعد حلاً عمليًا وتسهم في توفير وحدات بأسعار أقل مقارنة بالشقق الأكبر، مما يفتح المجال أمام شريحة أكبر من المجتمع للتمتع بسكن حضري لتساعد في زيادة الكثافة السكانية بطريقة منظمة داخل المدن وتخفيف الطلب على العقارات باهظة الثمن.
وأكدت أن بناء شقق صغيرة يمكن أن يؤثر على السوق بطرق مختلفة على المدى القصير، قد يؤدي إدخال عدد كبير من الوحدات الصغيرة إلى زيادة العرض، مما يمكن أن يسهم في تخفيض الإيجارات لبعض الوقت، وأشارت الدوسري إلى احتمال ارتفاع الطلب على هذه الوحدات، مما يؤدي إلى زيادة في الأسعار على المدى الطويل، خاصة إذا لم يتوافق العرض مع الطلب.
ومن إيجابيات هذا النمط من التطوير، أوضحت الدوسري أن المناطق التي كانت تواجه ركودًا في الطلب على العقارات الكبيرة قد تتجه للشقق الصغيرة، ويمكن أن تزيد قيمة الأراضي بفضل هذه المشاريع الجديدة، والأسعار ستتأثر بشكل خاص في المدن الكبيرة أو المناطق الحضرية التي تشهد بالفعل طلبًا مرتفعًا على المساكن.
وأبانت الدوسري أن الشقق الصغيرة مصممة أساسًا لتلبية احتياجات الأفراد أو الأزواج الشباب، الذين قد يكون لديهم نمط حياة بسيط أو يحتاجون إلى سكن مؤقت بالقرب من مراكز العمل أو الدراسة. قد تكون هذه الشقق خيارًا مثاليًا لهؤلاء الأفراد بسبب سهولة الصيانة وتكاليف السكن المنخفضة، لذلك هذا النمط غير مناسبًا للعائلات التي تحتاج إلى مساحة أكبر للعيش بشكل مريح، أو للأفراد الذين يخططون للاستقرار طويل الأمد، حتى مع التصميم الذكي، فإن توفير أماكن مناسبة للعائلات قد يكون تحديًا كبيرًا.
وعن أبرز التحديات التي تواجه المطورين العقاريين عند بناء شقق صغيرة، قالت الدوسري: إن بعض التحديات تتمثل في إدارة المساحات بطريقة فعالة، إذ يجب عليهم تصميم شقق توفر الراحة والاستفادة القصوى من المساحة المحدودة. قد يكون هذا تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين التكلفة، الجودة، والراحة. أيضًا، الامتثال للوائح البناء المحلية فيما يتعلق بالتهوية، الإضاءة، ومواقف السيارات، والمساحات الخضراء، يمثل تحديًا إضافيًا”.
وأضافت الدوسري: أن المطورين يمكنهم التغلب على هذه التحديات من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الذكية في التصميم الداخلي (مثل الأثاث متعدد الاستخدامات) واستخدام مواد بناء مبتكرة تقلل من التكاليف وتحسن الكفاءة الطاقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم التركيز على تقديم مرافق وخدمات مشتركة للمقيمين مثل الصالات الرياضية أو مناطق العمل المشتركة، لتعويض نقص المساحة داخل الوحدات نفسها.
وأشارت إلى أن بناء شقق صغيرة قد يؤدي إلى زيادة الكثافة السكانية في بعض المناطق، وهو ما يمكن أن يؤثر على جودة الحياة إذا لم يتم التخطيط بشكل صحيح. من المهم توفير بنية تحتية داعمة، مثل وسائل النقل العام، المرافق الصحية، والمساحات الخضراء لضمان أن الأحياء التي تشمل شققًا صغيرة تكون مريحة للسكن.
ولضمان جودة الحياة، دعت الدوسري المطورين والمخططين العقاريين للتفكير في تصميم شامل لا يركز فقط على الوحدة السكنية نفسها، بل أيضًا على البيئة المحيطة بها. قد يشمل ذلك دمج مساحات خضراء عامة، توفير مرافق ترفيهية، وتطوير أنظمة النقل العام لضمان اتصال جيد بالمناطق الحضرية. وتوقعت على المدى القصير، قد تؤدي الشقق الصغيرة إلى تحويل الطلب من العقارات الأكبر، خصوصًا في المناطق التي تعاني من ارتفاع أسعار السكن. المستأجرون والمشترون الذين يبحثون عن حل سكني مرن وميسور التكلفة قد يجدون في الشقق الصغيرة خيارًا جذابًا، خاصةً إذا كانت تقع في مناطق قريبة من مراكز الأعمال أو المواصلات العامة.
ورجحت أن تختفي الحاجة إلى العقارات الأكبر حجمًا، خاصة بالنسبة للعائلات أو الأشخاص الذين يبحثون عن استثمارات طويلة الأجل. على العكس، قد تتأثر السوق العقارية بالطلب المتزايد على العقارات متعددة الاستخدامات، حيث يمكن توفير وحدات سكنية مختلفة الحجم تلبي احتياجات شرائح مختلفة من السكان.
وختمت غادة الدوسري بقولها: “هذا التحول قد يغير تفضيلات بعض المشترين والمستأجرين، لكن من المرجح أن يظل هناك توازن بين الطلب على الشقق الصغيرة والكبيرة اعتمادًا على الفئة المستهدفة والموقع”.
عبدالله الصليح: الاستثمار في تقسيم الوحدات السكنية
يمثل تنوع العروض العقارية من الجوانب الإيجابية في السوق؛ إذ يتيح إمكانية قياس مدى الإقبال على عروض محددة، بينما تأخذ بعض العروض الكثير من المجهود التسويقي وتحتاج للتداول والنشر وتنويع خطط التسويق حتى الوصول إلى الشريحة المستهدفة، وبحكم العادة في توزيع طرق التسويق واستراتيجياته على خطة زمنية، أتحدث عن العروض التي لا تتجاوز مرحلة التسويق الأولى، فبمجرد الإعلان عنها تبدأ عملية التفاوض والتنفيذ خلال أقل من أسبوع تقريبًا، وتكون نسب المشاهدة والتفاعل مرتفعة مقارنة بغيرها، اختار من هذه العروض كمثال:
الوحدات السكنية الصغيرة (استديو)
وذلك للأسباب التالية:
– ازدياد الطلب لدى الأفراد داخل مدينة الرياض سواء الطلاب أو الموظفين أو غيرهم.
– اتجاه المستثمرين إلى طلب وحدات يمكن تقسيمها لوحدات صغيرة واستثمارها؛ كتلك الشقق التي تحتوي على مدخلين وغيره.
– سرعة بيع الوحدات السكنية الأصغر في مشاريع التطوير بسبب التكلفة الأقل وحجم الطلب عليها.
السؤال: كيف يمكن أن نلبي حجم الطلب على الوحدات السكنية الصغيرة مع تحقيق مفهوم جودة الحياة وأنسنة المكان وتوافر الخدمات المتنوعة؟ في ظل وجود نماذج سكنية حاولت مواجهة هذا التحدي، لا شك أننا مقبلون على نماذج عرض أكثر مواكبة للطلب والاحتياجات التي يولدها.