تستعد أسواق البناء في دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة موجة جديدة من ارتفاع التكاليف خلال العام الجاري، مدفوعة بتحديات متزايدة في الإمدادات والعمالة الماهرة. وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة «كوري آند براون» الاستشارية، من المتوقع أن تتراوح الزيادة في تكاليف البناء بين 2% و5% في الإمارات، بينما قد تصل إلى 7% في السعودية.
أسباب الارتفاع: طلب قوي وتحديات في الإمدادات
التقرير أشار إلى أن الطلب القوي على مشاريع البناء يمثل السبب الرئيس وراء هذه الزيادة، مما يضغط على توفر العمالة الماهرة والإمدادات المحدودة للمواد الأساسية. التقرير الذي جاء تحت عنوان «بناء مستقبل مرن: التكيف مع حالة عدم اليقين في 2025»، أكد على أهمية وضع استراتيجيات استباقية لضمان استمرارية المشاريع في ظل هذه التحديات.
السعودية.. طفرة عمرانية ومشاريع طموحة
تعيش السعودية طفرة في قطاع البناء، مدفوعة بتوقعات نمو اقتصادي تصل إلى 4.4% في 2025 مقارنة بـ 1.4% العام الماضي. وتتركز الاستثمارات في البنية التحتية، القطاع السكني، والضيافة، مع استعداد المملكة لاستضافة كأس العالم 2034 وإكسبو 2030.
وتشكل المشاريع العملاقة، مثل «نيوم» و«ذا لاين»، حجر الأساس لهذه الطفرة، حيث تتسارع وتيرة التنفيذ للوفاء بالجدول الزمني الطموح لرؤية 2030. كما أن بناء الملاعب، الفنادق، وتطوير شبكات النقل والبنية التحتية سيكون من بين أبرز المشاريع الداعمة للنمو في القطاع.
الإمارات.. زخم اقتصادي يعزز قطاع البناء
في الإمارات، تشير التوقعات إلى نمو اقتصادي قوي يصل إلى 6.2% بحلول 2025، مدعوماً بمبادرات حكومية ضخمة مثل «برنامج الشيخ زايد للإسكان»، و**«استراتيجية الطاقة 2050»**. هذه المشاريع الكبيرة ستدفع الطلب على المواد المتخصصة والعمالة الماهرة، ما قد يؤدي إلى زيادة إضافية في التكاليف.
في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، تواجه الشركات تحديات مرتبطة بإمكانية تعطل سلاسل التوريد، ما يستدعي وضع خطط بديلة لتنويع مصادر المواد والتخفيف من مخاطر تعطل المشاريع.
عوامل عالمية وراء ارتفاع التكاليف
تقرير «كوري آند براون» أشار إلى مجموعة من العوامل العالمية التي تساهم في زيادة تكاليف البناء، من أبرزها:
عدم اليقين الاقتصادي: على الرغم من استقرار معدلات التضخم وأسعار الفائدة، فإن الصراعات الجيوسياسية والتقلبات السياسية تفرض ضغوطاً إضافية على تكاليف العمالة وسلاسل التوريد.
الثورة الرقمية: أدى الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى رفع الطلب على المواد النادرة والمتخصصة، مما زاد من التكاليف.
نقص العمالة الماهرة: يعد هذا التحدي من أبرز العقبات التي تواجه مشاريع البناء عالمياً، خاصة في القطاعات عالية النمو مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية.
كيف تواجه الشركات التحديات؟
لمواجهة هذه التحديات، أوصى التقرير الشركات العاملة في قطاع البناء بتبني استراتيجيات مرنة واستباقية لضمان استمرار المشاريع دون تعطل، ومن أبرز هذه الاستراتيجيات:
تنويع سلاسل التوريد: الاعتماد على شبكات متعددة المصادر يقلل من مخاطر تعطل الإمدادات.
معالجة نقص المهارات: الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية والتدريب المستمر يسهم في سد الفجوة المتزايدة في العمالة الماهرة.
التحول الرقمي: استخدام البيانات الذكية والتحليلات المتقدمة يساعد الشركات في تقدير أدق للتكاليف واتخاذ قرارات سريعة وفعالة.
وفي هذا السياق، أوضح آلان مانويل، الرئيس التنفيذي لمجموعة كوري آند براون، قائلاً: «أصبح التضخم في تكاليف البناء واقعاً لا مفر منه. التحدي الأكبر يكمن في المرونة والتخطيط الدقيق لضمان النجاح في 2025 وما بعدها».
نظرة مستقبلية: الابتكار والتخطيط الاستراتيجي هما الحل
بينما يستعد قطاع البناء في دول الخليج لمرحلة جديدة من التطور، فإن الابتكار، التكيف السريع، والتخطيط الاستراتيجي ستكون العوامل الحاسمة لتجاوز التحديات الحالية واغتنام الفرص المستقبلية.
في ظل هذه التحولات، تبقى المرونة والقدرة على إعادة هيكلة استراتيجيات العمل من أهم الأدوات لضمان نمو القطاع واستقراره في السنوات المقبلة.