الاستثمار العقاري في المدن الثانوية.. يدعم اللامركزية العمرانية
في سياق التحولات الشاملة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، تبرز المدن الثانوية كمحورٍ واعد لاستراتيجيات التنمية العمرانية والاستثمار العقاري. فبعد عقود من التمركز الحضري والاقتصادي في عدد محدود من المدن الكبرى – وعلى رأسها الرياض وجدة والدمام – بات من الضروري إعادة توزيع النمو العمراني والاقتصادي عبر تبنّي سياسات لامركزية مدروسة، تُسهم في تقليص التفاوتات المكانية وتحقيق تنمية إقليمية متوازنة.
المدن الثانوية: منظور استراتيجي جديد
المدن الثانوية – مثل حائل، أبها، ينبع، الباحة، سكاكا، وغيرها – تمتلك مقومات اقتصادية واجتماعية وطبيعية تؤهلها لتكون مراكز جذب استثماري مستدام. كما أن وفرة الأراضي، وتنوع الاستخدامات الممكنة، وتكلفة التطوير المنخفضة نسبيًا، تُعد من أبرز عوامل الجذب للمستثمرين العقاريين. وتزداد هذه الأهمية في ظل مشاريع البنية التحتية المتسارعة (مثل الطرق السريعة، والمطارات، وتحسين الخدمات الرقمية) التي تنفذها الدولة لربط هذه المدن ببعضها وبالمراكز الحضرية الكبرى.
تحديات الاستثمار العقاري في المدن الثانوية
رغم هذه المقومات، إلا أن البيئة الاستثمارية في هذه المدن ما زالت تواجه عدة تحديات هيكلية، من أبرزها:
- ضعف البيانات العقارية الموثوقة: يعاني المستثمر من غياب قواعد بيانات دقيقة ومحدثة حول العرض والطلب، مما يرفع درجة المخاطرة.
- انخفاض الكثافة السكانية ومحدودية القوة الشرائية: ما ينعكس سلبًا على العوائد المتوقعة، لا سيما في مشاريع الاستخدامات التجارية أو السكنية الفاخرة.
- محدودية وجود الشركات العقارية الكبرى: والتي ما زالت تركز على المدن الرئيسية، تاركة فراغًا في القدرات التشغيلية والخبرة التطويرية.
- الفجوة بين التخطيط العمراني والمشاريع العقارية: إذ لا تزال بعض المخططات الهيكلية تفتقر إلى الرؤية المستقبلية التي تراعي الاحتياجات السوقية والتغيرات الاجتماعية.
فرص النمو والتحول: خارطة طريق للمستثمرين
رغم التحديات، فإن المدن الثانوية تمثل أرضًا خصبة لتجارب تطويرية مبتكرة يمكن أن تستفيد من عدة فرص حالية:
- دعم حكومي مباشر وغير مباشر: مثل مبادرات »إعادة التوطين»، وصناديق دعم الإسكان، والمزايا الضريبية في بعض المناطق.
- التوجه نحو الإسكان المتوسط والميسر: كأحد أكثر القطاعات طلبًا، خصوصًا بين فئة الشباب.
- نمو القطاعات السياحية والبيئية: لا سيما في مناطق ذات طبيعة جغرافية متميزة مثل عسير والباحة.
- التكامل مع الاقتصاد الرقمي: عبر إنشاء مجمعات سكنية متصلة ذكيًا ومدعومة ببنية تحتية رقمية، تُلائم أنماط العمل عن بعد.
نحو نموذج استثمار عقاري لامركزي ومستدام
يتطلب الانتقال إلى نموذج استثمار عقاري ناجح في المدن الثانوية، تبني فلسفة عمرانية جديدة تُراعي التنوع الإقليمي، وتدمج بين التخطيط المكاني والتحليل السوقي. كما أن التحول الحقيقي نحو لامركزية فعالة يمر عبر:
- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
- بناء قدرات محلية في مجال التطوير العقاري.
- تحديث التشريعات واللوائح لتكون أكثر مرونة واستجابة للسياقات المحلية.
في الختام، فإن المدن الثانوية ليست مجرد »بدائل» للمراكز الحضرية الكبرى، بل تمثل »فرصًا مستقبلية» حقيقية لإعادة صياغة المشهد العقاري في المملكة ضمن أطر أكثر عدالة ومرونة واستدامة.
@ArchHesham