خريطة العمارة السعودية: تحديات للمصممين.. وفرص للإبداع المحلي
استطلاع: عبدالله الصليح: تحتوي خريطة العمارة السعودية على 19 طرازًا معماريًا مستوحى من الطبيعة الجغرافية والهوية الثقافية لكل منطقة، هذه المبادرة لا تهدف فقطى تحسين المشهد الحضري وتعزيز جودة الحياة، بل تسعى أيضًا إلى ترسيخ هوية معمارية ملهمة تعانق الماضي وتواكب المستقبل. فهل تنجح هذه الخريطة في إعادة تشكيل ملامح المدن السعودية؟ وما مدى وعي المجتمع والمختصين بأبعادها التنموية والثقافية؟
صحيفة “أملاك” استطلعت الآراء حول تأثير الخريطة المعمارية على القطاع العقاري.
عثمان عبد المحسن: العمارة السعودية كنز سياحي واقتصادي للاستثمار
أكد المهندس عثمان عبد المحسن ، الرئيس التنفيذي لمؤسسة تقنية التصميم والتنفيذ، أن اعتماد الطرازات المحلية في التصاميم العمرانية لا يقتصر على تحقيق الجمال البصري فحسب، بل يتعداه ليشمل أبعاداً اقتصادية وسياحية وتنموية مستدامة.
يرى عبد المحسن أن توحيد النمط المعماري داخل المدن السعودية من شأنه أن يسهم في بلورة شخصية عمرانية متفردة تعكس روح المكان، لاسيما عند تبني الطرازات التقليدية المستلهمة من البيئة المحلية، مثل الطراز النجدي أو الحجازي أو الجبلي. وأضاف أن هذا التوجه يعزز من الهوية الثقافية للمكان، ويمنح المدن طابعاً متجانساً ومتناغماً، شبيهاً بما نشاهده في المدن الأوروبية أو المناطق التاريخية كحي الطريف في الدرعية.
وأشار إلى أن الطابع المعماري الموحد ينعكس إيجاباً على جاذبية المدن السعودية سياحيًا، حيث يشعر الزائر حينها أنه أمام تجربة متكاملة تعكس روح المدينة وثقافتها، في وقت يمكن فيه أن يسهم هذا التوجه أيضاً في خفض التكاليف التشغيلية عبر تبني حلول تصميمية مناسبة للبيئة والمناخ المحلي، مثل استخدام المواد المتوفرة محلياً أو التركيز على التهوية الطبيعية وتقليل الاعتماد على التكييف.
بالنسبة للبُعد السياحي، أشار عبد المحسن إلى أن العمارة السعودية التقليدية تمثل ثروة حقيقية يمكن استثمارها في تنشيط السياحة الثقافية، لاسيما أن كل منطقة في المملكة تمتلك طابعها الخاص والمميز، بدءاً من الرواشين والنقوش الخشبية في الطراز الحجازي بجدة ومكة، مروراً بالتفاصيل الزخرفية الملونة في الطراز الجبلي بعسير، ووصولاً إلى الطراز النجدي المتناغم مع بيئة الصحراء في نجد والقصيم. وأوضح أن هذه الطرز ليست مجرد موروث معماري، بل هي قصص حية تعكس عمق المجتمع المحلي وتاريخه، وتشكل عنصر جذب سياحي فريد يعزز من ارتباط الزائر بالمكان.
وفيما يتعلق بالجمع بين الحداثة والهوية، شدد المهندس عبد المحسن على أن الموجات المعمارية الحديثة لا تتعارض مع الطابع المحلي، بل يمكنها أن تتكامل معه. واستشهد بمشاريع مثل “بوابة الدرعية” و”نيوم” التي تدمج بين التقنيات الحديثة والروح المعمارية المحلية، ما يخلق تجربة بصرية وإنسانية متفردة. ولفت إلى أن الالتزام بالهوية لا يعني إعادة إنتاج الماضي كما هو، بل إعادة تخيله بلغة معمارية عصرية تعكس احتياجات المجتمع الحالي وتطلعاته.
وأضاف أن موجهات العمارة السعودية تمثل مشروعاً وطنياً بامتياز، يهدف إلى جعل كل مدينة سعودية قادرة على رواية قصتها من خلال طابعها العمراني، والخروج من النمطية العالمية نحو طابع سعودي مميز، يعكس الإنسان والمكان والبيئة في آن واحد. واعتبر أن هذه الموجهات تمثل فرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والمدينة، وتعزيز الإحساس بالانتماء من خلال تفاصيل معمارية مألوفة وملهمة في آن.
وفي سياق متصل، أشار عبد المحسن إلى أن تطبيق هذه الموجهات ينعكس بصورة مباشرة على القطاع العقاري، حيث يسهم في رفع القيمة السوقية للمشاريع التي تلتزم بها، ويزيد من تميزها في سوق تتسابق فيه المشاريع على جذب المشترين. كما أوضح أن الهوية المعمارية باتت عنصراً مؤثرًا في قرارات الشراء، لاسيما من قبل الشرائح التي تبحث عن التميز والأصالة والجودة، مضيفًا أن المطورين العقاريين الذين يتبنون هذه التوجهات سيكونون في موقع متقدم للاستفادة من الحوافز الحكومية، سواء من حيث تسهيل إجراءات التراخيص أو الحصول على تصنيف أعلى من الجهات المعنية.
وختم المهندس عثمان عبد المحسن حديثه بالتأكيد على أهمية اتخاذ خطوات عملية لتفعيل هذه التوجهات على أرض الواقع، من خلال دمج الموجهات التصميمية ضمن اشتراطات البناء لكل منطقة، وتوفير نماذج تصميم أولية تساعد المطورين على تنفيذ المشاريع وفق الهوية المحددة، كما دعا إلى تشجيع المطورين المحليين على الالتزام بهذه الموجهات عبر منحهم امتيازات وحوافز إضافية، إلى جانب أهمية إشراك الكفاءات الوطنية من المهندسين السعوديين في عمليات التصميم والتنفيذ، لما لذلك من دور كبير في ترسيخ الإبداع المحلي، وتكوين بيئة عمرانية تتناغم مع وجدان المجتمع السعودي وتعكس تطلعاته نحو مستقبل أكثر جمالًا واستدامة.
م. عمر المنصور: حي الديرة نقل المنطقة إلى معلم جاذب للسياح
أكد المهندس عمر المنصور أن خريطة العمارة السعودية ستسهم بشكل كبير في جذب السياح وتحسين جاذبية المدن، وعلى سبيل المثال نجد أن تطوير حي الديرة بالرياض، نقل هذه المنطقة إلى معلم جاذب للسياح وللفعاليات المرتبطة بالسياحة نتيجة للتطوير العمراني في تلك المنطقة.
ونبه المنصور إلى أن اعتماد الطرازات المحلية في البناء قد يؤدي إلى الحد من الإبداع المعماري لدى المصممين والمهندسين السعوديين، فاللوائح والأطوال المحددة والأبعاد والتصميم الخارجي، ستشكل تحديًا لإبداعهم مع التزامهم بهذه المعايير، ولكنه سيخلق فرصًا للابتكار تصب في مصلحة هذه الاشتراطات بالإضافة لدور هذه التصاميم المعتمدة في الحد من التكاليف.
وعن التحديات المتوقعة في هذا القرار، أوضح المنصور أن هناك أحياء معينة سيطبق فيها نماذج محددة ربما لا تكون مثار للإعجاب والاشادة من العملاء، أو العكس، كما حدث في بعض المجمعات التي قدمت بنماذج موحدة وأوجدت تنوع في الآراء ما بين المؤيد والمعارض، ولكنها إيجابية في تعزيز الهوية المعمارية للعمارة السعودية.
العمارة السعودية.. حلول وجماليات لواجهات المباني
د. عبدالله بن ضيف الله
تعتبر العمارة وجه ثقافي من شأنه أن يكون قد تأثر في الماضي بأفكار عديدة وافدة؛ إما لأسباب سياسية أو اجتماعية وقد تتحول مع الزمن إلى جزء من العمارة المحلية.
مشروع العمارة السعودية الذي دشنه سمو ولي العهد، حفظه الله، لم يأتي لتوحيد الطراز المعماري للمدن السعودية بقدر ما يهدف إلى تأصيل الطراز والعودة الى العمارة السعودية، حسب قراءتي الشخصية، العمارة السعودية في أصلها هي ذات طراز واحد وهي انعكاس للتشابه الكبير بين ثقافة الإنسان السعودي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
على سبيل المثال، المثلث في الطراز المعماري النجدي كمفردة جمالية موجود في الطراز الحجازي وكذلك الجنوبي، قس على ذلك باقي الأمثلة من الأفنية الداخلية، الطرق المتعرجة، النوافذ الضيقة، ارتفاعات المباني وغيرها؛ وبالتالي أصل العمارة السعودية هو واحد ولكن الاختلاف يكمن في الجغرافيا الذي يفرض نوع معين من مواد البناء أو نوع معين من النسيج المتناغم مع المناخ وهكذا. لذلك عدد الطرز هو 19 طراز تمثل بشكل كبير الجغرافيا المتنوعة وباختلافاتها غير الجوهرية تمثل العمارة السعودية ككل.
ومن المؤكد أن اعتماد الطرازات المحلية في البناء سيعزز الإبداع المعماري لدى المصممين والمهندسين السعوديين وأن خريطة العمارة السعودية سيكون لها تأثير جوهري في هذا الجانب؛ فالمعماري كان يعتمد بصورة رئيسية على رغبات العميل وعلى سلوك السوق في تحديد الطرز التي سيعتمد عليها في تصميم مشاريعه، ولكن اليوم سيكون الوضع مختلف لأن العمارة السعودية ستأتي بطرزها المستمدة من السياقات المحلية وبالتالي سيقوم المعماريين والمصممين باستيعاب هذه الطرز وترجمتها في مشاريعهم. لذلك اعتقد انها ستنعكس ايجاباً على الابداع المعماري في مدننا بلا شك.
لذلك ستبرز تغيرات إيجابية كثيرة لموجهات العمارة السعودية التصميمية، مثل:
تحسين المشهد البصري، حيث أن مدننا من الناحية البصرية تواجه إشكاليات متعلقة بواجهات المباني التي يتم تصميمها بشكل عشوائي وبدون رؤية موحدة وهذا انعكس على الصورة العامة لمدننا والتي أصبحت “باهتة”، وستعالج الموجهات هذا الخلل البصري ليس وفق اجتهادات؛ بل وفق السياق الخاص لكل مدينة. وهنا يجب أن لا ننسى أنه جرت العادة أن تكون الموجهات التصميمية قائمة على التقسيم الإداري لمناطق المملكة ولكن الموجهات الحالية للعمارة السعودية قامت على الجغرافيا وهذا الأمر سيجعل كثير من الممارسين والباحثين يتجه لدراسة العلاقة بين العمارة والجغرافيا ومدى تأثر الاول بالثاني أو العكس.
الأمر لا يقتصر على المصممين والمكاتب الهندسية فحسب؛ بل اعتقد أن القطاع العقاري سيستجيب لهذه الطرز بشكل إيجابي كما حدث مع العمارة السلمانية بالرياض، والتي رأينا كيف تم ترجمتها إلى مشاريع كبرى ومتوسطة وأحدثت نقلة نوعية في المشهد البصري لمدينة الرياض، ربما عملية المراجعة للمشاريع في البداية ستشهد نوع من البطء بسبب حداثة التجربة لكن بمجرد أن يستوعبها القطاع العقاري والممارسين ستصبح عملية المراجعة والتأكد من التوافق مع الموجهات عملية سريعة، وكذلك لا استبعد أن يكون هناك محفزات للمشاريع التي تظهر إبداعاً في تطبيق هذه الموجهات.
وعلى نطاق السياسة نتوقع أن تعزز خريطة العمارة السعودية عملية جذب السياح وتُثري تجربتهم؛ بالذات فيما يخص القرى التاريخية القديمة وتناغمها مع المساكن العصرية التي حولها من الناحية البصرية، في زيارة شخصية للدرعية، شاهدت الكثير من المحلات التجارية الشهيرة استخدمت مبانٍ قديمة وتراثية جمعت بين الحداثة والأصالة واعتقد أنها ستقدم تجربة ثرية فريدة.
باحث في العمران