كشفت شركة “نايت فرانك” العالمية للاستشارات العقارية عن وصول نسبة إشغال المستودعات الصناعية في المملكة العربية السعودية إلى مستويات شبه كاملة، وسط تحوّل صناعي متسارع، حيث بلغت نسبة الإشغال 98% في الرياض و97% في جدة، بالتزامن مع زيادة حادة في الطلب رفعت إيجارات المستودعات في العاصمة بنسبة 16%.
وأشارت الشركة في تقريرها عن السوق الصناعية واللوجستية في السعودية، إلى أن المملكة تمضي بخطى ثابتة نحو التحول إلى المركز الصناعي الرائد في الشرق الأوسط، مدفوعة بنمو التجارة الإلكترونية، وحزم الحوافز الحكومية، وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى التوسع الكبير في البنية التحتية.
وبحسب تقرير “نايت فرانك” سجل القطاع الصناعي السعودي نموًا لافتًا خلال عام 2024، بإصدار 1346 ترخيصًا صناعيًا جديدًا، بلغت استثماراتها الرأسمالية نحو 50 مليار ريال. لكن النقص في مساحات التخزين والخدمات اللوجستية أدى إلى ضغوط تصاعدية على الإيجارات، خاصة في الرياض.
وأشار إلى أن متوسط إيجارات المستودعات في العاصمة ارتفع إلى 208 ريالات للمتر المربع، بينما تجاوزت إيجارات المواقع المميزة حاجز 250 ريالًا. وفي مناطق مثل المصانع والبارية والفاروق والمناخ، قفزت الإيجارات بأكثر من 20% نتيجة الطلب القوي، في حين بلغ إجمالي مخزون المستودعات والخدمات اللوجستية في الرياض حوالي 28 مليون متر مربع.
في جدة، سجل متوسط الإيجارات نحو 238 ريالًا للمتر المربع مع نسبة إشغال وصلت إلى 97%. وتواصل المدينة توسعها بخطى ثابتة، حيث بلغ حجم المخزون 19.8 مليون متر مربع، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 15.5% بحلول عام 2030.
وتُعد منطقة الخُمرة القلب النابض للخدمات اللوجستية في جدة، إذ تستحوذ وحدها على نحو 82% من إجمالي المخزون. واستفادت المنطقة من مشروعات تطوير مستودعات صغيرة خلال 2024 لتعزيز مكانتها كممر لوجستي استراتيجي يربط المناطق الصناعية بالموانئ.
يستمر الدعم الحكومي عبر كيانات مثل “مدن” والمؤسسات المرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة في دفع عجلة التوسع بالمناطق الصناعية. ورغم عدم تسليم مشروعات كبرى في 2024، فقد شهد السوق توقيع اتفاقيات ضخمة تشير إلى موجة توسع مرتقبة خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
وأوضحت “نايت فرانك” أن الاتجاه السائد في القطاع الصناعي يتجه نحو المشروعات المبنية حسب الطلب لتلبية احتياجات الصناعات المتقدمة، ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في التخطيط الصناعي بالمملكة.
شهد عام 2024 توقيع عدد من الصفقات الكبرى في القطاع، أبرزها شراكة شركة “كادن” السعودية للتطوير العقاري مع “دي بي شينكر” الألمانية لتوسيع القدرات اللوجستية، وتعاون مجموعة “جي إف إتش” مع “باناتوني السعودية” لتطوير 500 ألف متر مربع من المرافق الحديثة، بالإضافة إلى مشروع مشترك بين “آركابيتا” و”ركاز” لتأسيس مجمع لوجستي متقدم في الرياض.
حدد التقرير الاستدامة كأحد المحركات الرئيسة للسوق، مشيرًا إلى أن شركات كبرى مثل “ميرسك” و”أجيليتي” تقود جهود تطوير البنية التحتية الخضراء، من خلال استخدام الطاقة الشمسية وحلول التخزين الموفرة للطاقة، بما يعزز الأهداف البيئية للمملكة.
يلعب إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة مثل مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والمنطقة الاقتصادية المتكاملة بالرياض، دورًا رئيسًا في تسريع نمو الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد. وتعمل هذه المناطق ضمن شراكات بين القطاعين العام والخاص، ما يجعلها جاذبة للاستثمارات والشركات العالمية.
أشار التقرير إلى أن الإصلاحات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر ساهمت في خلق سوق أكثر انفتاحًا وتنافسية، ما دفع الشركات متعددة الجنسيات إلى الدخول في شراكات استراتيجية مع كيانات محلية لتأسيس أعمالها اللوجستية داخل المملكة.
قال آدم واين، الشريك ورئيس الوكالة التجارية لدى نايت فرانك، إن السعودية لا تزال مركزًا محوريًا لتوسع الأعمال التجارية العالمية. وأوضح أن القطاع يشهد تحولًا لافتًا مدفوعًا بالتقدم التكنولوجي، والتركيز على الاستدامة، وزيادة التعاون الدولي.
وأضاف: “تستمر المملكة في تنفيذ أجندة رؤية 2030، وتشهد توجهات ناشئة مثل مشروعات البناء للتأجير، والأتمتة، والاستثمارات العابر للحدود، وهي عوامل تعيد تشكيل القطاع وتفتح المجال لنمو هائل خلال السنوات المقبلة”.