عقارات المزادات.. لماذا تتعثر الفرص؟
تركي أحمد العصيمي
حين لا يُباع العقار في المزاد، فغالبًا لا يكون ذلك لغموض في الأسباب أو تعقيد في المشهد، الأمر في جوهره يدور حول ثلاثة محاور رئيسية: نوع العقار ومدى جاذبيته، السعر المطروح، وجودة التسويق. هذه الثلاثية، حين تكتمل، تُكتب للمزاد فرص النجاح، وحين تختل، يصبح التعثر أمرًا متوقعًا.
ليست كل الأراضي مطلوبة، ولا كل الأسعار مغرية، ولا كل الحملات التسويقية تصل إلى جمهورها المستهدف، خذ مثلًا أرضًا زراعية سُوّقت باحتراف ولكن لم تُبع؛ ربما كانت المشكلة في السعر، وربما في ضعف جاذبية العقار نفسه للعملاء. أحيانًا يكون العقار جيدًا والسعر مغريًا، لكن الحضور ضعيف لأن التسويق لم يُحسن إيصال الفرصة للمهتمين.
البيع في المزادات لا يتم في فراغ، هناك دائمًا مؤثرات خارجية تُعيد تشكيل شهية السوق مثل: التغيّر في التشريعات، مثل القرارات الخاصة برسوم الأراضي البيضاء، كلها تلعب دورًا في صنع حالة من الترقب تؤثر على سلوك المشترين. ما كان يُزايد عليه بشراسة في الأمس، قد يُعرض اليوم بسعر أقل دون أن يلقى نفس الحماسة.
التوقيت الزمني مهم
وفي قلب كل هذا، يبرز عنصر مهم لا يُلتفت إليه كثيرًا: التوقيت. المزادات ليست محايدة زمنياً. الصيف مثلًا موسم نشط بطبعه، أما أشهر رمضان أو نهاية العام الهجري، فهي تشهد فتورًا ملحوظًا. في بعض الحالات، قد تتراجع الرغبة الشرائية بنسبة تصل إلى 40% فقط لأن المزاد أُقيم في توقيت غير مناسب.
وبمقارنة المزادات الإلكترونية بالحضورية نجد الفرق شاسع أيضًا بينهما. في الأولى، إعلان سعر الافتتاح يشجع على التنافس ويزيد من احتمالات الترسية. أما في الحضورية، فإن غياب نشر سعر الافتتاح يترك أثرًا سلبيًا على إقبال المشترين، خاصة من ليست لديهم خبرة سابقة بالمزادات.
وعلى كثرة المزادات، فإن التزاحم نفسه بات تحديًا. ما يُقارب 98 % من المزادات العقارية يشرف عليها مركز الإسناد والتصفية «إنفاذ»، وبمعدل يصل إلى 50 مزادًا في الأسبوع. هذا الزخم، مع دورة تنفيذ لا تتجاوز 21 يوم عمل، يخلق حالة من التشويش لدى بعض المزايدين، ويصعّب عليهم ملاحقة الفرص وتحليلها بعناية.
فجوة ثقافية في فهم آلية المزاد
هناك أيضًا فجوة ثقافية في فهم آلية المزاد، تظهر بوضوح في المحافظات والمناطق الأقل كثافة. يظن البعض أن الفوز في المزاد يُحسم فقط بأعلى سعر، دون النظر إلى أن العقار مُقيم من مُقيّمين معتمدين، ما يخلق سوء فهم يُبعد شريحة واسعة عن المشاركة.
لكن التحدي الأبرز يكمُن في محدودية الوصول للتمويل. اليوم، الغالبية العظمى من المشاركين في المزادات هم من «ملاك السيولة»، بينما يظل المشترون الذين يعتمدون على التمويل البنكي خارج دائرة الفاعلية. السبب؟ شروط البنوك، وقصر فترة السداد – التي لا تتجاوز أحيانًا ثلاثة أيام – وغياب نماذج تمويل مخصصة لهذا النمط من الصفقات.
إعادة النظر في بيئة التمويل
إذا أردنا أن تتحول المزادات العقارية إلى أداة حقيقية لتوسيع تملك العقارات، فلابد من إعادة النظر في بيئة التمويل المرتبطة بها. هناك خطوات بسيطة ولكن فعالة: تمكين المشتري من مستند يوضح قدرته التمويلية قبل دخول المزاد، توفير آلية تمويل مرنة وسريعة تستجيب لخصوصية المزادات، إدراج هذه الصفقات ضمن أولويات البنوك وشركات التمويل، وتبسيط الإجراءات قدر الإمكان.
ما نحتاجه ليس أكثر من توجيه دقيق، وبعض المرونة في النظام. فالمزادات العقارية ليست فقط وسيلة لتصريف الأصول، بل يمكن أن تكون نافذة استراتيجية لتمكين الأفراد، وتحريك السوق، وضمان عدالة التوزيع العقاري. المهم أن تُدار كما يجب، وأن يُعاد ضبط إيقاعها بما يتناسب مع تحولات السوق وطموحات المشاركين.
المدير التنفيذي لشركة تتمة العقارية