مشروع نيوم هو أحد أبرز وأضخم مشاريع رؤية 2030 بالمملكة. وهو يهدف إلى تحويل شمال غرب السعودية إلى مركز عالمي للتقنية والسياحة والاستثمار، خاصةً الاستثمار العقاري. انطلق المشروع في عام 2017 لتشييد مدينة ساحلية أقصى شمال غرب المملكة بطول 460 كيلومترًا على ساحل البحر الأحمر. وتركز نيوم بصورة أساسية على الجانب التقني. بدايةً من التصميم الرقمي الشامل، وصولًا إلى أحدث تقنيات البناء مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد.
في هذه المقالة، نقدم لكم رؤية تحليلية شاملة على مشروع نيوم، مرورًا على فرص الاستثمار وكيفية تفاعل صناديق الاستثمار العقاري مع المشروع.
نبذة عن مشروع نيوم
شُيدت مدينة نيوم على مساحة تبلغ 26500 كيلومتر. وحصلت على دعم من صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 500 مليار دولار. كما يدعم المشروع العديد من المستثمرين من شتى بقاع الأرض. ويُعد مشروع نيوم مشروعًا قوميًا يرسم مستقبل المملكة في عالم التقنية والاستثمار، فهو حجر أساس ضمن رؤية المملكة 2030.
مع الالتزام بأحدث التقنيات البنائية في تصميم وتشييد المدينة، يفخر نيوم أيضًا كونه مشروعًا يخدم مبادئ الاستدامة والتحول الأخضر. وطبقًا للبيانات الرسمية للمشروع، تصل نسبة الطاقة المتجددة في نيوم إلى 100%، فهي معتمدة بالكامل على المصادر النظيفة. ويستهدف المشروع الوصول إلى 0% انبعاثات كربونية داخل المدينة بحلول عام 2030.
التزم المشروع بمحاذاة هذه الرؤية المستدامة بدايةً من عمليات البناء. فعلى سبيل المثال، خفض المهندسون نسبة الكربون إلى 60% في أساسات المباني. كما استُخدم في المشروع مكونات مصنعة مسبقًا بنسبة 90%، مثل الخرسانة الجاهزة (البريكاست)، ذلك لتقليل معدلات الهدر والنفايات في مواقع البناء. والتي بدورها تؤثر سلبًا على البيئة ومبادئ الاستدامة الخضراء.
من تحليلنا للوضع العالمي في مختلف القطاعات، نرى أن الاستثمارات الأجنبية تتجه إلى المشروعات الخضراء. وطبقًا لتقرير مؤسسة مورغان ستانلي (Morgan Stanley)، يهتم 90% من المستثمرين العالميين بمفهوم الاستثمار المُستدام (Sustainable Investment). وهو الاستثمار الذي يضع مبادئ الحفاظ على البيئة ضمن عوامل اتخاذ القرار الاستثماري.
لذا نستنتج أن نيوم قد تصبح وجهة قوية للاستثمار الأجنبي خلال السنوات القادمة. خاصةً بعد عام 2030 عندما تصبح المدينة خالية تمامًا من أي انبعاثات كربونية. فهي تمثل بيئة مثالية لاستثمارات المستقبل؛ على صعيد الاستثمار المحلي، والاستثمار الدولي.
مناطق مدينة نيوم الرئيسية
تتكون مدينة نيوم من خمس مناطق رئيسية. وهي أوكساجون، وتروجينا، وسندالة، ومقنا، وذا لاين. كل منطقة أُعلن عنها رسميًا في توقيت مختلف بين عامي 2021 و2024. وتُعد أوكساجون هي المنطقة الصناعية في مشروع نيوم، وستكون ذات تصميم فريد من نوعه عائم على البحر الأحمر.
صُممت أوكاسجون على هيئة مُثمن (شكل هندسي ثماني الأضلاع). وستمثل أكبر مجمع صناعي عائم على البحر في العالم بمساحة تصل إلى 250 كيلومتر مربع. وهذا التصميم العائم سيخدم المنطقة بسبب اقترابها من ممر قناة السويس حيث يمر 13% من التجارة العالمية.
أما منطقة تروجينا، فهي المركز السياحي في نيوم. ويهدف المشروع أن تصبح تروجينا مركزًا ئيسيًا للتزلج الحر في الهواء الطلق بالمنطقة العربية. وتضم تروجينا أنشطة سياحية ترفيهية مثل الأنشطة المائية في منطقة ذا بو (The Bow)، والأنشطة الجبلية مثل التزلج والتليفريك. بالإضافة إلى قرية ذا فولت (The Vault) التي ستُشيد رأسيًا بين الجبال في تروجينا.
ومن زاوية عقارية، تكشف بيانات المشروع الرسمية أن مساحة تروجينا تبلغ أكثر من 1400 كيلومتر مربع. وتم إعمار 5% فقط من هذه المساحة حتى الآن. ولذا فإنها منطقة خصبة لشركات التطوير العقاري التي ترغب بالاستثمار في مشروع نيوم ضمن واحد من أهم المجالات، وهو السياحة.
وبالنسبة لسندالة، فهي جزيرة في البحر الأحمر تبلغ مساحتها 840 كيلومتر مربع تقريبًا. وستكون سندالة مركزًا للسياحة البحرية وأنشطة اليخوت على البحر الأحمر. وأخيرًا مقنا التي أُعلن عنها في عام 2024، لتكون وجهة سياحية فاخرة تمتد على ساحل خليج العقبة بطول 120 كيلومتر. وستكون عبارة عن محمية طبيعية ضخمة بنسبة 95% من أراضيها مُخصصة لدعم الحياة البرية.
نبذة عن ذا لاين
يُعد ذا لاين أهم المشروعات التي نركز عليها في القطاع العقاري ضمن مشروع نيوم. فهو يمثل نقلة نوعية في مجال التخطيط الحضري. وتتميز مدينة ذا لاين بخلوها من الشوارع والمركبات، أي أنها مدينة خالية تمامًا من أي انبعاثات كربونية. خاصةً وأن توليد الطاقة بالمدينة سيعتمد كليًا على مصادر الطاقة الكهربائية النظيفة.
تُشيد مدينة ذا لاين بهيكلة طولية خطية تمامًا كاسمها. بعرض يصل إلى 200 متر فقط، وطول يمتد حتى 170 كيلومتر، مع ارتفاع شاهق حتى 500 متر فوق سطح البحر. بهذه الطريقة تُصبح مساحة المدينة 34 كيلومتر مربع فقط، لكن هذا التخطيط المعماري الحديث سيسمح لها باحتضان نحو 9 مليون نسمة طبقًا للبيانات الرسمية من المشروع.
من هذا نستنتج أن الاستثمار العقاري سيكون ضمن أقوى الأنشطة الاستثمارية في المدينة. خاصةً مع محاذاتها لمبادئ الاستدامة، وتخطيطها الحضري المبتكر. فمن المتوقع أن يشهد السوق العقاري بالمدينة نشاطًا كبيرًا على صعيد محلي ودولي. فالمدينة تفخر بأنها على مسافة 6 ساعات جوًا من 40% من سكان العالم، كما أنها تطل على البحر الأحمر بالقرب من قناة السويس.
الاستثمار العقاري في مشروع نيوم
طبقًا لتقرير وكالة الاستشارات العقارية الدولية نايت فرانك (Knight Frank)، من المتوقع أن تقود المشروعات العملاقة ثورةً في الاستثمار العقاري بالمملكة بقيمة تصل إلى 1.22 مليار دولار خلال هذا العام فقط. وأوضح التقرير أن مشروع نيوم هو المشروع الحائز على أعلى إقبال من المستثمرين. وقد أُصدر ذلك التقرير في مارس 2025.
وأضاف التقرير أن 41% من اصحاب الدخل المرتفع (أكثر من 80 ألف ريال سعودي شهريًا) يستعدون لإنفاق أكثر من 20 مليون ريال على وحدات عقارية داخل هذه المشاريع. من هذه الاحصائيات نستنتج أن مشروع نيوم مُقبل على دورة حيوية من التداول العقاري. وهو ما يجعله فرصةً مميزةً خلال العقد القادم لكل من يرغب في دخول مجال الاستثمار العقاري بالمملكة.
وما يميز الاستثمار العقاري في مشروع نيوم هو تنوع المحفظة العقارية. فعلى سبيل المثال، يمكنك الاستثمار في الوحدات السكنية في ذا لاين، والوحدات السياحية والترفيهية في تروجينا. بالإضافة إلى الوحدات التجارية والصناعية في المدن ومنطقة أوكساجون الصناعية. هذا فضلًا عن وجود البنية التحتية الخضراء يُميز هذه المحفظة المتنوعة بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والارتقاء بالقيمة العقارية بالمشروع ككل.
تفاعل صناديق الاستثمار العقاري مع مشروع نيوم
تحتاج المشروعات الضخمة مثل نيوم إلى رأس مال كبير للاستثمار. لكن تتفاعل صناديق الاستثمار العقاري السعودية مع المشروعات بصورة إيجابية عبر إتاحة الاستثمار العقاري بجزء من حصة الوحدات دون الحاجة إلى شرائها وتملكها بالكامل.
وفي يوليو 2025، أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا تاريخيًا بإتاحة تملك الوحدات العقارية إلى الأجانب. وفي السابق، كان حق التملك للأجانب قاصرًا على العقارات السكنية فقط. والآن، سيتمكن الأجانب من تملك الوحدات التجارية والصناعية. وهو ما يُعزز بقوة من الاستثمار العقاري في مشروع نيوم. فكما ذكرنا أعلاه هناك تنوع واسع في محفظة نيوم العقارية بين الوحدات السكنية والتجارية والصناعية، وحتى السياحية.
سينعكس هذا القرار على تعزيز الحركة الاستثمارية داخل نيوم. وسيرفع من حركة البيع والشراء ويجعل المشروع وجهةً عالمية لكل من يرغب في دخول عالم الاستثمار العقاري بالمنطقة. وذلك بدوره سيرفع من القيمة الاستثمارية للمشروع.
لا يمكن النظر إلى نيوم كمجرد مشروع حضري جديد، بل هو تحول جذري في المفهوم التقليدي للتخطيط العمراني والاستثمار العقاري في المملكة. فهو لا يضيف فقط بعدًا هندسيًا فريدًا أو بنية تحتية ذكية متقدمة، بل يعيد رسم ملامح السوق العقاري على أسس غير مسبوقة من حيث الاستدامة، والتقنية، وتكامل القطاعات.
