لم يعد التصميم الداخلي مجرد ألوان وخطوط وأناقة بصرية، فقد تحول اليوم إلى مشهد هندسي دقيق يتداخل فيه الإبداع الفني البشري مع دقة الذكاء الاصطناعي. ولمَ لا، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي لاعبًا أساسيًا في كافة المجالات؟ والأمر لم يتوقف على الذكاء الاصطناعي فحسب، بل تطور إلى تقنيات أخرى مستقبلية مثل الواقع الافتراضي والواقع المُعزز؛ حيث يمكنك معاينة المظهر النهائي لديكور منزلك قبل تنفيذه.
هذه التقنيات لم تعد في نطاق قصص الخيال العلمي، بل أصبحت واقعًا نعيشه هذه الأيام. وفي هذه المقالة، نقدم لكم دراسةً تحليليةً لتقنيات التصميم الداخلي بالذكاء والاصطناعي والواقع المعزز مع بيان آثارها الثورية على صناعة العقار.
التصميم الداخلي بالذكاء الاصطناعي
شاهدنا مؤخرًا قدرات الذكاء الاصطناعي على التصميم الغرافيكي والإبداع البصري حتى في مقاطع الفيديو. وهذا الإبداع التقني ألهم محترفي تصميم الديكور في الاستعانة بهذه التقنيات لإنجاز أعمالهم الفنية بمزيد من الدقة والذوق الرفيع. قد نتفق أن الذكاء الاصطناعي ضعيف في الجانب الإبداعي، فهو يُكرر الأنماط التي مرت عليه في بيانات تدريبه الضخمة. لكن بالتأكيد يمكن لهذه الأنماط أن تُلهم المصمم لوابل الأفكار المختلفة والإبداعية.
يبدأ التصميم الداخلي بالذكاء الاصطناعي من توليد نماذج دقيقة تحاكي المساحات الداخلية للمنزل، وذلك خلال دقائق معدودة فقط. بعد ذلك يمكن الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات وتفضيلات العميل، حتى يحصل المصمم على أفكار وأنماط تصميمية يمكن أن تُلهمه في عمله الإبداعي. كما يمكن أيضًا الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تحليل المساحات الفارغة واقتراح الحلول وقطع الأثاث لاستغلال هذه المساحات على الوجه الأمثل هندسيًا.
هذه المهام يمكن إنجازها اعتمادًا على دراسة وموهبة المصمم. لكن المذهل في الذكاء الاصطناعي أنه قادر على تنفيذ ذلك في دقائق أو حتى ثوانٍ معدودة. وهذا نابع من قدرته العالية على التحليل ومعالجة البيانات لوضع الحلول الأمثل بناءً على ما تدرب عليه. ولذا نتوقع أن تزداد دقة وفاعلية الذكاء الاصطناعي في هذا المجال بمرور وقت. ذلك مع تراكم المواد التدريبية التي يحصل عليها عند تنفيذ كل مهمة في التصميم الداخلي.
مستقبل التصميم الداخلي بالذكاء الاصطناعي
من النظرة الأولى، يمكن أن تظن أن المجال أمامه الكثير ليستوعب تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكن المستقبل هنا بالفعل. وطبقًا لإحدى الدراسات التي أجرت استقصاءً في مجال تصميم الديكور. يستخدم 87% من مصممي الديكور أحد برامج الذكاء الاصطناعي في التصميم، وذلك من عينة تتكون من 128 مصممًا.
وفي نفس الدراسة، اتفق 96% من المصممين أن تجربتهم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ساهمت في توفير الوقت والجهد. ورأى أغلبية المصممين أيضًا أن التجربة أثرت من مهاراتهم التصميمية، وساعدتهم على إيجاد المزيد من الخيارات والأفكار المبتكرة.
من هذه المعطيات نستنتج أننا لسنا أمام تقنية وليدة؛ بل إنها تقنية راسخة في المجال يعتمد عليها أغلب المحترفين معربين عن إعجابهم واستفادتهم من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التصميم الداخلي. لكن في الواقع ومن نظرة تقنية أخرى، شهد الذكاء الاطناعي تحولاته الثورية في السنوات الثلاث الأخيرة فقط! وهذا يعني أننا أمام بداية قوية قد تُعيد تشكيل هذه الصناعة بالكامل في المستقبل. خاصةً وأن هذه التقنيات تتعلم باستمرار تراكميًا من كل تجربة واستخدام بهذا المجال.

عمومًا من تحليلنا للوضع الراهن، نرى أن الذكاء الاصطناعي لاعبًا أساسيًا في مجال التصميم الداخلي. وننصح كل شركات التطوير العقاري أن تبدأ في تبني هذه التقنيات بقوة في مشاريعها. وتهتم ببناء قاعدة بيانات ضخمة لعملائها حتى تستخدمها في تخصيص تصاميم إبداعية تناسب ذوق كل عميل اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي؛ فهو لا شك مستقبل هذه الصناعة.
مزايا وعيوب تصميم الديكور بالذكاء الاصطناعي
ما زال الذكاء الاصطناعي تقنيةً حديثةً في صناعة الديكور. وكسائر التقنيات الحديثة، يجب أن نكون على دراية واسعة بمزاياها وعيوبها قبل أن نبدأ في استخدامها. خاصةً في المشروعات الكبرى التي تُعد محورًا رئيسيًا في أعمال أي شركة بمجال التطوير العقاري.
تتلخص المزايا الرئيسية في توفير الوجد الجهد لإنجاز المهام. كما يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة العمل إذا استخدم بصورة صحيحة بواسطة مصمم محترف. ويساهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في إلهام المصممين بمجموعة متنوعة من الأفكار المبتكرة. وحتى إن لم يستخدمها المصمم مباشرةً، ستكون سببًا في إضاءة فكرة جديدة لتصميم إبداعي يعزز من جودة العمل.
تتكامل هذه التقنيات أيضًا مع الواقع الافتراضي والواقع المعزز لإنشاء نماذج محاكاة تفاعلية لمنازل العملاء. في هذه النماذج يتمكن العميل من معاينة المظهر النهائي للتصميم في شقته؛ بل إنه يستطيع أن يتفاعل مع التصميم عبر إزالة وإضافة العناصر وتخصيص ألوانها.
أما بالنسبة للعيوب، فهي تتلخص في مفهوم «هلوسة الذكاء الاصطناعي». الهلوسة (AI Hallucination) هي خاصية تدفع الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى توليد إجابات أو معلومات بثقة دون وجود مصدر لها ضمن بيانات التدريب وبيانات التحقق والاختبار التي خضع الذكاء الاصطناعي. وذلك يعني أن هذه التقنيات يمكن أن تضع بعض العناصر التي لا علاقة لها تمامًا بالتصميم، أو حتى تُفسد بعض العناصر الجوهرية، مثل وسادة غير مكتملة، أو كرسي بخمسة أرجل!
ولذا ننصح أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال متخصصين وخبراء في مجال تصميم الديكور. حتى يتمكنوا من استلهام التصاميم والأفكار الإبداعية دون الحاجة إلى الاعتماد كليًا على ما يُولده الذكاء الاصطناعي. ومن هنا ننوه على خطورة الاعتماد الكلي على ما ينتجه الذكاء الاصطناعي؛ فكل إجابة أو تصميم يخرج من هذه النماذج يجب أن يخضع لتدقيق فني محترف من المختصين قبل اعتماده في المشاريع الفعلية.
بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز في الديكور
تحدثنا أعلاه حول تكامل الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع المُعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR). فما هي هذه التقنيات، وما الفرق بينهما؟ الواقع المعزز هو تقنية تهدف إلى تعزيز البيئة الواقعية التي يراها المستخدم، عبر عدسة الكاميرا مثلًا، ذلك من خلال إضافة عناصر افتراضية غير موجودة في الواقع. ففي تصميم الديكور، يمكن للعميل أن يلتقط مقطعًا للمساحة الفارغة من منزله، ثم تضيف هذه التقنية كافة عناصر الديكور افتراضيًا إلى منزله الحقيقي.
أما تقنية الواقع الافتراضي، تعتمد على تصميم بيئة رقمية كاملة ثلاثية الأبعاد. وتتيح للمستخدم الدخول فيها افتراضيًا والتفاعل معها عبر معدات ونظارات خاصة (مثل نظارات Vision Pro المُتطورة من آبل). وللوهلة الأولى قد تظن أن الواقع المعزز هو الأنسب والأكثر عمليةً في مجال التصميم الداخلي. لكن تستخدم بعض شركات التطوير العقاري ومصممي الديكور هذه التقنية في استعراض الخيارات بصورة تفاعلية للعملاء.
تعتمد هذه التقنيات على إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد لكافة العناصر التصميمية المختلفة. وتتكامل مع الذكاء الاصطناعي لتوليد مساحات ثلاثية الأبعاد تطابق شقة العميل بدقة. وفي النهاية يصبح المصمم قادرًا على إضافة كل لمساته إلى شقة العميل.
بهذه الطريقة يصبح العميل جزءًا من عملية التصميم. يشاهد ويُقرر ويُخصص مع المصمم، ما يجعله في النهاية راضيًا ومستمتعًا بالتجربة. ويمكن تطوير التجربة أيضًا لراحة العميل عبر إرسال التصاميم إليه ليعاينها عبر عدسة هاتفه معتمدًا على تقنية الواقع المُعزز. ذلك دون الحاجة إلى الحضور لمقر الشركة، أو استخدام أي معدات متخصصة.
مستقبل التصميم الداخلي بالواقع المُعزز
الواقع المعزز في تصميم الديكور ليس تقنيةً حديثة. ودخلت شركة أيكيا IKEA بقوة في هذا المجال منذ عام 2017. ذلك حين أطلقت الشركة المتخصصة في تجارة الأثاث تطبيقها IKEA Place الذي يقدم خدمة الواقع المعزز لمعاينة منتجاتها المختلفة. وأتاح التطبيق حينها استخدام عدسة الكاميرا لمسح المساحات الداخلية بالمنزل وإضافة وتحريك أي قطع من الأثاث بألوانها المختلفة لمعاينة حية قبل الشراء.

شكلت هذه الخطوة منذ ثمانية أعوام ثورةً في عالم الديكور والأثاث. واستمرت أيكيا في تطوير تطبيقها حتى وصلت دقته حاليًا إلى 98% حسب بيانات الشركة الرسمية. وأطلقت أيكيا بعدها تطبيق IKEA Kreativ عام 2022 في بدايات ثورة الذكاء الاصطناعي. هذا التطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمسح الغرف وإنشاء نسخ رقمية تفاعلية طبق الأصل من الغرف. ذلك حتى يتمكن العميل من تعديل كل شيء واقعي يظهر في الغرفة.
على سبيل المثال، يمكن للمستخدم إزالة قطعة أثاث من النموذج الرقمي، واستبدالها بقطعة أخرى أو تغيير لونها أو مكانها. هذه التقنية كانت في بدايات الذكاء الاصطناعي، ولذا من المتوقع أن تتطور مثل هذه التقنيات بقوة هذه الأيام وسط التسارع الملحوظ في تقدم قدرات الذكاء الاصطناعي.
من تحليلنا لتجربة أيكيا، نتوقع أن تبدأ الشركات الكبرى في تطوير حلول رقمية قائمة على التكامل بين الواقع المُعزز والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي. المستقبل الذي نتخيله حاليًا أن تنفذ شركة التطوير العقاري نماذج رقمية لتصميم المبنى خارجيًا وداخليًا. وأن يساهم العميل ويتفاعل مع التصاميم الداخلية ويضع لمساته في كل ركن من أركان ديكور منزله. كل ذلك سيكون متاحًا بدقة متناهية بفضل هذه التقنيات وتكاملها معًا.
هذه التقنيات الحديثة ليست خيالًا، قد تظنها مستقبلًا لكننا نُبشرك أننا الآن في المستقبل. عالم التقنية يتسارع بوتيرة كبيرة، والذكي بحق هو الذي يستغل كل تقنية تظهر على الساحة لتعزيز أعماله ورفع قيمة التجربة النهائية التي يحصل عليها عملائه.