كيف غيّر قانون تملك غير السعوديين للعقار مشهد الاستثمار العقاري في السعودية؟
هشام القاسم
يشكّل صدور نظام تملك غير السعوديين للعقار في المملكة العربية السعودية خلال عام 2025 محطة تاريخية في مسار تطوير السوق العقاري، حيث لم يعد هذا القطاع موجهًا للمواطنين فحسب، بل أصبح مفتوحًا أمام المستثمرين الأجانب والأفراد المقيمين وفق ضوابط محددة. خطوة كهذه لا تعكس مجرد تعديل تشريعي، بل هي إعادة رسم لخارطة الاستثمار العقاري بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 لجذب رؤوس الأموال وتنويع الاقتصاد.
من نظام 2000 إلى نظام 2025… لماذا التغيير؟
كان النظام السابق (الصادر عام 2000) يتيح التملك لغير السعوديين في أطر محدودة للغاية، ومع موافقة الجهات العليا فقط. أما اليوم، ومع إصدار النظام الجديد، فقد تم توسيع نطاق الملكية الأجنبية ليشمل:
- الأفراد غير السعوديين المقيمين في المملكة.
- الشركات الأجنبية الراغبة في إنشاء أو توسعة أعمالها.
- المنظمات غير الربحية الدولية ذات الأنشطة الإنسانية أو التعليمية.
هذا التحول الاستراتيجي يعكس رغبة المملكة في تحرير السوق العقاري من قيوده التقليدية وتحويله إلى منصة عالمية للاستثمار.
أبرز ملامح القانون الجديد
- المناطق المسموح بها: تم تحديد نطاقات جغرافية لتملك الأجانب، مع إبقاء مكة المكرمة والمدينة المنورة ضمن ضوابط خاصة تراعي خصوصيتهما الدينية.
- الرسوم والضرائب: فرض رسوم نقل ملكية تصل إلى 5٪ على غير السعوديين، إضافة إلى ضريبة التصرفات العقارية، لضمان توازن السوق.
- الشفافية والإجراءات: جميع عمليات التملك تمر عبر الهيئة العامة للعقار، ما يضمن وضوح البيانات وتفادي أي ممارسات غير نظامية.
- الجدول الزمني: يبدأ تطبيق النظام فعليًا في يناير 2026 بعد نشره في الجريدة الرسمية، وهو ما يمنح السوق فترة استعداد لاستقبال التغييرات.
تأثيرات مباشرة على السوق العقاري
- زيادة الطلب في المدن الكبرى: الرياض وجدة والدمام ستشهد موجة طلب جديدة على الوحدات السكنية والتجارية الموجهة للمستثمر الأجنبي.
- تحسين جودة المشروعات: دخول منافسين عالميين سيدفع المطورين المحليين للارتقاء بمعايير التصميم والتشغيل.
- تنويع قاعدة المستثمرين: لم يعد السوق مقتصرًا على المواطنين، بل أصبح مسرحًا لمستثمرين من آسيا وأوروبا وأمريكا.
- تعزيز الشفافية: وجود أجانب في السوق يجبر الأطراف كافة على اتباع معايير أكثر صرامة في التقييم والتوثيق.
- انعكاسات اقتصادية أوسع: زيادة العوائد الحكومية من الرسوم والضرائب، وتحفيز قطاعات مكمّلة مثل التمويل والتأمين وإدارة الأصول.
السعودية وجهة عقارية عالمية
ما يميز القانون الجديد ليس فقط فتح الباب للتملك، بل توقيت صدوره. فالمملكة تشهد طفرة تنموية هائلة، من مشاريع نيوم والقدية والبحر الأحمر إلى التوسع العمراني في المدن الكبرى. هذه المشاريع تمثل بيئة خصبة لرؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن أسواق ناشئة ذات عوائد مرتفعة.
وبينما تتجه دول عديدة لتقييد تملك الأجانب للعقار، تسير السعودية في الاتجاه المعاكس: فتح مدروس ومدعوم بتشريعات واضحة، ما يمنحها ميزة تنافسية إقليمية ودولية.
قانون تملك غير السعوديين للعقار هو أكثر من مجرد إصلاح قانوني؛ إنه تحوّل استراتيجي يعيد تشكيل خريطة الاستثمار العقاري في المملكة. ومع دخوله حيّز التنفيذ، يُتوقع أن يصبح السوق السعودي واحدًا من أكثر الأسواق العقارية جاذبية على مستوى العالم، مستفيدًا من مكانة المملكة الجيوسياسية وقوة اقتصادها الصاعد.
وبذلك، يمكن القول إن المملكة لا تفتح أبوابها فقط للمستثمر الأجنبي، بل تعيد صياغة مفهوم الاستثمار العقاري في المنطقة بأسرها.
@ArchHesham