النفاق من دون أدنى شك يقوض الأعمال، ويهوي بها، ويأتي بصور وأشكال مختلفة، فثوب الليل الذي يرتديه المنافق، يختلف تماماً عن ثوب النهار . . والنفاق بلا وطن أو هوية ولا يقتصر على فئة بعينها، بعض الفقراء ينافقون ليعيشوا، والأغنياء ليزداوا ثراء، وأصحاب الكراسي والمناصب ليثبتوا أقدامهم وظهورهم على مقاعدهم . . كأنهم دائمون مخلدون في الدنيا إلى ما لا نهاية .
لقد اختلفت درجات ورتب الأشخاص الذين يشكلون البطانة، من عصر إلى عصر ومن زمن إلى آخر، فقد تكون البطانة، مجلساً استشارياً كحال روما القديمة، أو مجموعة من المقربين من أهل الثقة، أو وزراء، وأحياناً الزوجة، فالملك نجم الدين أيوب كان يعتبر جاريته الأرمينية الحسناء، شجرة الدر، التي تزوجها فيما بعد، مخزن أسراره والعقل المدبر له ولشؤون الحكم.
منذ سنوات طالعتنا صحفية عربية في لقاء، مع وزير الأوقاف آنذاك – عقب عودته من رحله إلى دولة إفريقية، مع رئيس الجمهورية، وكان الوقت في رمضان – قال فيه وبكل ثقة، رداً على سؤال عن تفاصيل الزيارة: “أفطرت وصام الرئيس”، يقصد أنه لم يتحمل القيظ والحر، وأفطر في نهار رمضان، بينما الرئيس المؤمن أصرّ على الصوم . . يا لهذا النفاق الذي يبلغ عنان السماء إنه يزايد على الله . . ويلصق بنفسه المعائب والنقائص لينافق الرئيس .
حتى الجمهور الذي يحضر خطب الرؤساء، فقد كان الحاضرون يصفقون لخطب عبد الناصر حتى في ظل القرارات السلبية، ففي إحدى خطبه صفقوا له 31 مرة، بينما صفق الجمهور للسادات 41 مرة في الخطبة التى أعلن فيها زيارته “إسرائيل” . . ولولا هذا التأييد الأعمى لتغيرت مجريات الأحداث .
إن الحكم الرشيد العادل، تؤثر فيه، بل وتقوضه أحياناً البطانة، التي تنافق الحاكم، حتى إن الدعوى الأولى التي يدعوها أهل الدين الفضلاء، للحكام عبر التاريخ أن يرزقهم الله بطانة صالحة، فالأوطان ليست بحاجة إلى أكف تصفق، إنما إلى أيادٍ لتعمل وتنتج، وليست في عوز الى “هتيفة” يملأون القاعات الرسمية بالهتافات الجوفاء التى تذهب أدراج الرياح .
إن المملكة حباها الله بقادة وقيادة شقت طريقها بقوة وثبات حتى بلغت بسفينة الوطن مرفأ الأمان، وذرا المجد، بخلاف دول أخرى لا تزال غارقة حتى أذنيها في الفشل كأنه صار تجارتها ورأسمالها.