تشهد مدينة جدة تحولًا عقاريًا نوعيًا، مدفوعًا باستراتيجيات تنموية طموحة ومشاريع كبرى تعيد صياغة المشهد العقاري في واحدة من أبرز مدن المملكة. جاء ذلك خلال الاجتماع السنوي لشركة “جيه إل إل” العالمية للاستشارات العقارية، الذي جمع نخبة من قادة القطاع لرصد ملامح الواقع الاقتصادي والتوجهات المستقبلية في قطاعات الإسكان، المكاتب، التجزئة، والضيافة.
وفي كلمته خلال الاجتماع، أكد سعود السليماني، المدير الإقليمي ورئيس أسواق رأس المال لدى “جيه إل إل” في السعودية، أن جدة تلعب دورًا مركزيًا ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث تجذب رؤوس الأموال عبر فرص استثمارية متنامية، وتتقدم بفضل مشاريع استراتيجية تتناغم مع الأهداف الوطنية وتفتح آفاقًا أوسع أمام مشاركة القطاع الخاص، في وقت تتراجع فيه تكاليف البناء وتتعزز جاذبية الأصول العقارية عالية الجودة.
توجهات توسعية للسكن الفاخر
وفي قطاع السكن الفاخر، كشف الاجتماع عن توجهات توسعية لافتة، حيث من المتوقع إضافة نحو 1000 وحدة سكنية جديدة من فئة “السكن بعلامات تجارية” بحلول عام 2030، ليضاف هذا الرقم إلى حوالي 400 وحدة قائمة حاليًا. ويشهد هذا النوع من المشاريع نموًا مستمرًا، لا سيما مع دخول علامات تجارية عالمية من خارج القطاع العقاري، تشمل شركات السيارات والموضة، لتصبح جزءًا من المشهد العقاري الفاخر في جدة.
أما قطاع التجزئة، فيتجه نحو طفرة حقيقية، إذ يُتوقع إضافة 310 آلاف متر مربع من المساحات التأجيرية بحلول عام 2025، ما يعادل أكثر من 10% من المخزون الحالي. وتأتي هذه التوسعات ضمن مشاريع متعددة الاستخدامات تعزز أنماط الحياة العصرية، وتتيح بيئات متكاملة تجمع بين العمل والسكن والترفيه. كما بدأت أنماط تجارية جديدة مثل “المطابخ السحابية” و”المتاجر المظلمة” باكتساب زخم لافت في وسط جدة.
حضور قوي في قطاع الضيافة
في جانب آخر، لا تزال جدة تثبت حضورها القوي في قطاع الضيافة، مع معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 6% بين عامي 2020 و2025. وتؤكد الدكتورة سارة قاسم، نائب الرئيس الأول ورئيس قسم الفنادق لدى “جيه إل إل”، أن استعدادات المملكة لاستضافة كأس العالم 2034 ستحفز نمو القطاع بشكل غير مسبوق، مستفيدة من الخبرات المكتسبة خلال مونديال قطر 2022.
وفي المشهد المكتبي، تظل الفئة الراقية “أ” من المكاتب محور اهتمام المستثمرين، في ظل محدودية المعروض ونمو الطلب من الشركات المحلية والعالمية، الأمر الذي يعزز توجه السوق نحو الأصول عالية الجودة وحلول المساحات المكتبية المرنة، بحسب ما أوضحه تيمور خان، مدير قسم الأبحاث في “جيه إل إل” لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ورغم النمو المستمر، لا يُخفي المشهد العقاري تحديات عدة؛ أبرزها نقص الأيدي العاملة الماهرة، اضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف المواد، إلى جانب التعقيدات التنظيمية والمالية المرتبطة بالمشاريع الكبرى. إلا أن هذه التحديات تُقابلها حزمة من الإصلاحات الحكومية، تشمل حوافز ضريبية، تطوير الأطر التنظيمية، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
مارون ديب، رئيس خدمات المشاريع والتطوير في “جيه إل إل”، أكد من جانبه أن التقنيات الحديثة مثل البناء المعياري ونماذج التمويل المتقدمة، إضافة إلى الدور المتنامي لصندوق الاستثمارات العامة في قيادة المشاريع الضخمة مثل “إكسبو 2030” ومطار الملك سلمان الدولي، تسهم جميعها في تأسيس سوق عقاري قادر على استيعاب الاستثمارات الدولية وضمان مرونة التنفيذ.
وفي ضوء هذه التطورات، تواصل جدة ترسيخ موقعها كمحرك رئيسي للاستثمار العقاري في المملكة، ومركز جاذب للمشاريع الطموحة، وخاصة في ظل تحولها إلى بوابة عالمية تدعم التنويع الاقتصادي، وتستقبل المشاريع الكبرى على طريق رؤية 2030.