منذ أن كنت صغيراً وأنا أسمع جملة شائعة يرددها العامة . . وهي الصبر مفتاح الفرج، وكنت أسأل من الفرج هذا الذي يؤكدون في كل مرة أن الصبر هو مفتاحه ولا أحد يستطيع أن يراه إلا بالاستعانة بذلك المفتاح؟ . . وكنت أتندر بيني وبين نفسي ألم يأن الأوان ليأتي الفرج ويروي ظمأ هؤلاء العطشي للقائه؟ . . كما كنت أتخيل أن الفرج هذا شخص طويل القامة عريض المنكبين يحمل على كتفه مفتاحاً كبيراً مثل المفاتيح التي تتناولها القصص الأسطوريه ليفتح به كل الأبواب المغلقة .
قفزت تلك الذكريات في رأسي، حينما كنت أتصفح رواية أجنبية مترجمة، وفيها أن ثلاثة رجال التقوا مصادفة على أحد جسور مدينة لندن في منتصف ليلة ظلماء، وكأن كل واحد منهم ينتظر شيئاً يرمقون بعضهم بعضاً من طرف خفي، وطال الانتظار ولم يرحل أحد، فاقتربوا وتعارفوا واكتشفوا أنهم جميعا جاؤوا لنفس الهدف وهو “الانتحار” . . فقال الأول أنا شاب بلا عمل ولا أستطيع أن أدفع إيجار المنزل وتراكمت عليّ الديون ولست قادراً على السداد، لهذا قررت التخلص من حياتي . . وقال الثاني أنا رجل كهل ومتزوج من فتاة صغيرة وأعرف أن لديها علاقات مع آخرين ولا أستطيع أن أواجهها أو أمنعها من ذلك، لذا قررت الانتحار . . وقال الثالث لدي مرض عضال لا يرجى له شفاء ولقد حار الأطباء في علاجي ولم يعد أمامي حل سوى أن أموت ولذلك قررت أن أرحل سريعاً حتى لا أتحمل مزيداً من الألم . . وبعد أن فرغوا من قصصهم بدأ كل واحد منهم يضع للآخر حلولاً ويعرض عليه أفكاراً جديدة . . واتفقا أن يؤجلوا قرار الانتحار لمدة يوم واحد فقط على أن يلتقيا مساء الغد في ذات المكان، شريطة أن يحاول كل منهم حل مشكلته، وانصرفوا جميعاً . . وفي الموعد المحدد من اليوم التالي، جاء الرجل الكهل ليجد في انتظاره الشاب العاطل وسأله ماذا صنعت فقال لقد قابلت الدائنين وشرحت لهم ظروفي وكانوا أرق وأطيب مما تخيلت ومنحوني فرصة للسداد عكس ما كنت أتوقع . . وقال الكهل أما أنا فطلقت زوجتي وأشعر براحة كبيرة بعد هذا القرار . . والتفتا حولهما فلم يجدا زميلهم المريض واكتشفا أنه عاد بعد أن رحلوا بالأمس وتخلص من حياته .
إن هذين الرجلين صبرا حتى جاء الفرج باللقاء بينما الثالث لم يصبر وتعجل الموت . . فالصبر معلق بعقارب الزمن والوقت والرضا بالقضاء .
dr_hossam22@yahoo.com