تعد مركزية الإدارة من أعقد المشكلات التي تعانيها معظم المؤسسات في العالم، فالتركيز ينصب على الإدارة العليا فقط دون الانتباه، أو الالتفات إلى قادة الصف الثاني، وكأننا نركز على الحاضر فقط ونهمل المستقبل ولا نلقي إليه بالاً، فمن المعلوم أن رجال الصف الثاني هم قادة الغد الذين سيتحملون الأمانة .
ولا خلاف في أن خلق قيادات إدارية كفؤة قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية هو من صميم عمل الإدارة العليا، وإدارات التخطيط الاستراتيجي، فالصف الثاني لا يؤمّن المستقبل فقط إنما يساعد ويعاون القيادات العليا على دعم واتخاذ القرار وتسيير الأعمال، بينما المركزية الشديدة في الاستحواذ على القرار لدى الإدارة العليا، تؤدي إلى دفن الإبداع وإهدار طاقات العاملين من المستويات الإدارية كافة .
الواقع يشهد بأن كثيراً من الطاقات الهائلة تفجرت عندما أتيح لها مجال للإبداع والتفكير والتنفيذ، ولإعداد صف ثانٍ ضمن الإدارة التنفيذية العليا مزايا عدة، منها تخفيف العبء عن الصف الأول وتفرغه للأعمال والمهمات الجسام، وكذلك اكتشاف طاقات الصف الثاني وتوظيفها لخدمة العمل، والمساعدة على صناعة قيادات جديدة وإكسابها الخبرات عبر تنفيذ القرارات والمتابعات،
كما أن تفويض الأعمال يساعد الإدارة العليا على التوجيه والمتابعة بشكل أفضل، وحينما يندمج رجال الصف الثاني بشكل ملحوظ في الأعمال ويشاركون بأفكارهم في صنع القرار، ستضمن المؤسسة نجاح تلك القرارات، ولِمَ لا؟ فلقد صدرت ممن سيتعاطى معها ويطبقها ولم تفرض عليه فرضاً من الإدارة العليا بينما لا يظهر ذلك الاهتمام والحرص عندما تهبط القرارات عليهم هبوطاً للتنفيذ فقط . .
وأخيراً لا يمكن توسيع الأعمال وتنمية المؤسسات، دون القدرة على تفويض الأعمال والقرارات من خلال الصف الثاني.
ولبناء وتمكين الصف الثاني من القيادات الإدارية، يجب تحديد دور تلك القيادات في المنظمة، وتحليل التحديات التي تواجههم، وقياس وتقييم كفاءاتهم بطريقة “360 درجة”، الذي تتلخص فكرته في أن يتم تقييم الموظف سنوياً من خلال أربعة أطراف، بدلاً من المسؤول المباشر فقط كما كان في السابق . وهم: زملاء العمل، والعملاء أو المراجعون- بحسب نشاط المؤسسة-، والمرؤوسون، إضافة إلى تقييم المدير المباشر.