تأملت كثيراً في الأحداث والوقائع اليومية التي تمر بنا أين تذهب بعد أن تحدث، وما هو المخزن الهائل الذي تتأرشف فيه، ليتم استدعاؤها عند الحاجة، ففي اليوم الواحد بل في الساعة أو على وجه الدقة في الثانية الواحدة تقع مئات الأحداث والمواقف التي تمر بلا عودة ولكن أين تذهب لست أدري . . وتساءلت من الذي يتحرك هل نحن الذين نمضي لنطوى الوقت أم أن الزمن يتحرك من حولنا بينما نحن ثابتون في مكاننا؟
إن نظرتنا للزمن الذي ينساب من بين أصابعنا، تختلف كثيراً حسب أعمارنا والمرحلة التي نعيشها، حينما كنا صغاراً لم يكن لدينا أي إحساس بالزمن فكانت الأوقات تمر ببطء شديد وبتراتبية قاتلة، كنا نحلم باليوم الذي نكون فيه كباراً ناضجين، لنتحمل مسؤولية أنفسنا، ونستقل بحياتنا، ويستمر الحلم يكبر داخلنا وتكبر أجسادنا معه، نتعجل الأيام ونتمنى أن نقود السيارة ونذهب إلى السوق ونشتري ما نحتاج إليه من دون معاونة أحد .
وتمر الأيام وتنقضي الطفولة والمراهقة ثم الشباب المبكر، وما أن تدق عقارب الزمن معلنة تجاوز الثلاثين حتى يبدأ الوقت في التحرك السريع ونحن لا نشعر به أيضاً، وما أن نكسر عتبة الأربعين وإذا بالوقت نفسه الذي كان بطيئاً، يهرول بشدة .
ويأتي العقد الخامس لنقول كما جرى على ألسنة من سبقونا «إن الأيام نُزعت منها البركة»، ويأتي الستين ليشعرنا بأن أيامنا تنطلق على صهوة جواد يركض بأقصى سرعة نحو الشيخوخة والهرم، فالعام الذي كنا نراه طويلاً جداً نشعر أنه يمر في شهر والشهر يتقزم حتى نظن أنه لم يمض أكثر من أسبوع وهكذا تمضي بنا الدنيا . وكأنها في سباق مع نفسها وتظل هكذا حتى الوصول بنا إلى خط النهاية .
كل العلماء قالوا إن الشيخوخة لغز كبير وأن الخلايا التي تتكون منها أجسادنا تحمل عوامل ضعفها قبل قوتها وتهاجم نفسها في لحظة معينة من العمر، ولو استطعنا مراوغة الزمن وخداع من حولنا بالمساحيق المتقنة التي يشترك فيها العطار والصيدلي، والجراحات المختلفة وغيرهما لن نستطيع أن نخدع خلايانا بأننا مازلنا صغاراً. . حقاً لا يصلح العطار ما أفسده الدهر .