حينما أراد الله أن يخلق الكون ويقسم الأرزاق بين الناس، قام بوضع نصيب كل شخص على هيئة كومة صغيرة من التراب، وحينما انتهى المولى من القسمة والتي جاءت بالتساوي الكامل بين البشر في الرزق وفي كل شيء، هبت الرياح وبعثرت الأكوام واختلطت مع بعضها بعضاً، فزاد رزق فلان ونقص رزق الآخر، وتشابكت الأرزاق واختلطت بين الناس، وكان كله بإرادة الله وهو ما جعلنا بحاجة إلى الآخرين، وهم بحاجة إلينا فبعض أرزاقهم معنا، وأرزاقنا طارت إلى أكوامهم .
ربما تدفعنا هذه القصة المغرقة في الرمزية والدلالة، إلى التركيز على فكرة أن البشر كافة بحاجة إلى بعضهم بعضاً من المستويات، والرتب والدرجات جميعاً، فالوزير بحاجة إلى سائقه، ليقود عنه سيارته، والسائق بحاجة إلى وظيفته لينال منها أجراً ينفقه على من يعولهم ويتكفل بهم، وهكذا نستطيع أن نسحب ونطبق هذا على كل العلاقات المتشابكة في حياتنا .
إن الله حينما خلق البشر لم يساو بينهم فقط في مناط التكليف، إنما في جوانب كثيرة أخرى منها الجسدي والروحاني، فأجساد البشر وما تحويه من أجهزه تعمل بقدرته، تكاد تكون متطابقة في التركيب والوظائف الحيوية، فالجهاز التنفسي للملك هو ذاته الذي يتمتع به حاجب الملك، والجهاز الدوري لقائد الجيش، يتمتع بمثله أصغر جندي تحت قيادته .
قد يكون العامل البسيط أفضل من غيره، في القرب من الله وتنفيذ التكليفات، ومع المحيطين به من أقرانه وذويه، ويشعر برضا وظيفي وفي حالة دائمة من التصالح مع نفسه . . فمن هم دوننا في الدرجة ليسوا أقل منا في الشأن، إنما وظائفهم هي الأقل، وبالتالي رواتبهم وامتيازاتهم الوظيفية قليلة، فالمستوى الوظيفي ليس هو المقياس الوحيد للحكم على الناس واتخاذ قرار باحترامهم أو ازدرائهم، إنما يجب أن نحترم الناس جميعاً، وقياساً على ذلك ليس المدير أفضل من موظفيه، ومن الجائز جداً أن من نظنهم أقل منا هم أفضل ونحن لا ندري.