منذ نهاية السبعينيات الميلادية تقريباً من القرن الماضي بدأ المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بتسليط الضوء على التنافسية لجذب انتباه قادة العالم، من خلال التعريف بهذا المصطلح، وتوضيح أهمية التنافسية والسعي إلى قياسها عبر مؤشر التنافسية العالمي، ونشر تقرير التنافسية العالمي بشكل سنوي، وامتدت عنايته بهذا الأمر إلى أن ينشأ في إطار المنتدى مجلس الأجندة العالمية للتنافسية، الذي يتولى مهمة التعريف بالتنافسية، وإمداد قادة العالم بأدواتها، وتوفير شبكة تواصل لمن يسعى منهم إلى زيادة القدرات التنافسية التي تملكها بلدانهم ومدنهم ومؤسساتهم.
تقرير تنافسية المدن الذي يصدره مجلس الأجندة العالمية للتنافسية، من منطلق أن المدن تعد هي المحرك الرئيس للإنتاجية والنمو، والعنصر الضروري في التنافسية للدول، تضمن في إصداره الأخير لعام 2014م، حالات دراسية متعددة شملت (26) مدينة متوسطة الحجم في خمس من قارات العالم، كانت من بينها في منطقة الشرق الأوسط، المدينة المنورة، التي تم استعراضها بالتقرير في إطار تصور ما يمكن أن يؤدية وجود مدينة المعرفة الاقتصادية -إحدى المدن الاقتصادية التي أقترحت من هيئة الاستثمار- مجاورة للمدينة المنورة من تعزيز لمستوى تنافسيتها، وذلك عبر تنمية دورها التاريخي التنويري الروحي والفكري، حيث يشير التقرير إلى أن الملايين من المسلمين يفدون إلى المدينة المنورة على مدار العام، في موسم الحج، وأثناء قدومهم للعمرة، وبالتالي من شأن احتضان الجامعات والمراكز العلمية في المدينة المنورة للمؤتمرات والندوات، أن يؤهلها لأن تستقطب زواراً أكثر من كافة أنحاء العالم، الأمر الذي يقود كما يتوقع التقرير إلى استثمارات ضخمة في مشاريع سكنية وتجارية ذات نشاط فكري، ويصبح الحراك المرتبط بالمؤتمرات، والعدد الكبير من زوار المسجد النبوي الشريف، عنصري جذب للمستثمرين والشركات العالمية الباحثة عن الاستقرار لأنشطتها الاقتصادية.
التقرير بالرغم من ضآلة ما تناوله عن موضوع تنافسية المدينة المنورة، واعتبارها حالة دراسية فقط بين ست وعشرين حالة دراسية أخرى، لقي ترحيباً وإشادة بما تضمنه وعبر عنه في هذا الجانب، وذلك على نحو في اعتقادي لا يستحقه، وذلك لأسباب عدة، من أبرزها وأهمها أن طيبة الطيبة بقيمتها الدينية والروحية السامية بين كافة مدن العالم بالنسبة لنا نحن المسلمين هي أجلّ من أن نخضعها لمعايير التنافسية للمدن من أي مصدر أتت تلك المعايير، السبب الثاني أن التقرير في تناوله للمدينة المنورة باعتبارها حالة دراسية، كان جل تركيزه يتمحور حول مدينة المعرفة الاقتصادية وتأثيرها المحتمل في تنافسية المدينة المنورة، بينما الأصل هو خلاف ذلك، فمجاورة مدينة المعرفة الاقتصادية للمدينة المنورة، هي في الواقع من منح مدينة المعرفة الإمكانية التنافسية، مقارنة بنظيراتها من المدن الاقتصادية الأخرى، وبالتالي كان من المفترض أن تكون مدينة المعرفة الاقتصادية هي محور تناول الحالة الدراسية وليس مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، السبب الآخر وليس الأخير بالطبع من وجهة نظري في عدم استحقاق التقرير للإشادة التي حظي بها، هو أن المملكة في ذلك الجزء الذي يتعلق بالمدينة المنورة من التقرير لم تسلم من التعرض لها سلباً -تصريحاً أو تلميحاً- من قبل من كلف بإعداده.
سليمان الرويشد
جريدة الرياض