بين الطموح بالنمو والضغوط المتزايدة، يواصل قطاع العقارات التجارية في السعودية جذب الأنظار، وسط رهانات على الطلب المحلي والسياحة، مقابل مخاوف من العرض الزائد وتغيرات السوق.
أبدت وكالة “إس آند بي غلوبال” نظرة متفائلة تجاه مستقبل العقارات التجارية في المملكة العربية السعودية خلال عامي 2025 و2026، مستندة إلى محفزات قوية، أبرزها النمو السكاني، وزيادة أعداد السياح، وتغير أنماط الاستهلاك. ومع ذلك، لم تُغفل الوكالة الإشارة إلى جملة من التحديات التي قد تقيد نمو القطاع وتؤثر على ربحية الشركات العاملة فيه.
رؤية 2030 وتحوّل السوق
قالت “إس آند بي غلوبال” في تقريرها إن القطاع العقاري التجاري في السعودية يشهد تحولاً جوهرياً، تقوده مبادرات “رؤية المملكة 2030” وجهود تنويع مصادر الدخل الوطني، إضافة إلى تطور المشهد الاستهلاكي الذي يشهد تغيراً في تفضيلات المتسوقين واتجاهاتهم.
لكن في المقابل، نبه التقرير إلى تحديات مقلقة مثل خطر وفرة المعروض من المساحات التجارية، ونمو أنماط البيع بالتجزئة الحديثة مثل التجارة الإلكترونية، وهي عوامل قد تؤدي إلى ضغط على أسعار الإيجارات، وتراجع ربحية ملاك العقارات، خاصة مع الإنفاق الرأسمالي المرتفع الذي يتطلبه تطوير المشاريع الجديدة.
أسعار النفط وتقلبات الاقتصاد العالمي
ورغم الأجواء التفاؤلية العامة، حذرت الوكالة من أن تقلبات أسعار النفط، والتوترات التجارية العالمية، والانقسام الجيوسياسي قد تضعف وتيرة الإنفاق الحكومي وتؤثر سلباً على نمو الاقتصاد غير النفطي، وهو ما قد ينعكس مباشرة على أداء القطاع العقاري التجاري.
وبحسب التقرير، فإن سلوك المستهلك السعودي قد يتأثر في حال تراجع أسعار النفط، مما قد يؤدي إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي ومعنويات السوق، وهو أمر يجب على المطورين العقاريين أخذه بعين الاعتبار عند تخطيط مشاريعهم الجديدة.
التكاليف المرتفعة تضغط على الربحية
أكدت “إس آند بي” أن تكاليف تطوير المشاريع التجارية في السعودية تمثل تحدياً حقيقياً، لا سيما تلك المتعلقة بمراكز التجزئة واسعة النطاق، ما قد يضع ضغوطاً على جودة الائتمان الخاصة بالشركات العقارية، إذا لم تحقق عوائد الإيجار المتوقعة.
وبالإضافة إلى مخاطر التنفيذ، فإن الشركات قد تواجه صعوبات في ضبط النفقات التشغيلية وتحقيق هوامش أرباح مرضية، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة وتغير سلوك المستهلك.
“سينومي سنترز” تحت المجهر
سلط التقرير الضوء على شركة سينومي سنترز كمثال بارز على التحديات والفرص التي تواجه المطورين في السوق السعودية. وتوقعت الوكالة أن يتراوح إنفاق الشركة الرأسمالي بين 2.4 و2.6 مليار ريال خلال عام 2025، في إطار خطتها التوسعية لزيادة المساحة القابلة للتأجير بنسبة 44% لتصل إلى 1.4 مليون متر مربع بحلول عام 2027.
وتعمل الشركة حالياً على تنفيذ 6 مشاريع، أبرزها “جوهرة الرياض” و”جوهرة جدة”، واللذان من المتوقع اكتمالهما بنهاية 2025 أو بداية 2026.
ورجّحت “إس آند بي” أن يتحسن هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك ليصل إلى أكثر من 70% بحلول عام 2026، بعد أن تأثرت ربحية الشركة خلال أزمة جائحة كورونا (2020-2021) وتراجعت في السنوات التالية بفعل التكاليف المرتفعة وانخفاض قيمة المستحقات.
نظرة مستقبلية: كفاءة وتكيّف
أكدت الوكالة أن شركة سينومي سنترز بدأت باتخاذ خطوات لتحسين كفاءة التكاليف وضبط النفقات التشغيلية، عبر إصلاحات هيكلية، ما قد يساهم في تعزيز ربحيتها خلال الفترة المقبلة.
واختتم التقرير بتأكيد أن القطاع يملك مقومات قوية للاستمرار في النمو، بشرط التعامل بذكاء مع التحديات، خاصة فيما يتعلق بتغير سلوك المستهلك، والتحول الرقمي في أنماط التسوق، ومخاطر زيادة العرض.