في عالم العقارات، لا ينتظر المال اكتمال الطوب والأسمنت كي يتحرك. بل كثيرًا ما تُبنى القرارات الاستثمارية الكبرى، وتتدفق التمويلات، وتُبرم الصفقات، بينما لا تزال المشاريع في طور التشييد. هنا تبرز أهمية التقييم العقاري في مرحلة البناء، وهو فن لا يقتصر على حساب المساحات والمخططات، بل يتعداه إلى قراءة المستقبل، وتقدير الإمكانات، وقياس المخاطر.
فكيف يتم تقييم مشروع عقاري لم يُنجز بعد؟ وما المعايير التي يستند إليها المثمنون والخبراء؟ وهل يحمل هذا النوع من التقييم فرصًا استثمارية أم مخاطر خفية؟ الإجابات في التقرير التالي.
ما هو التقييم العقاري أثناء مرحلة البناء؟
هو عملية تقدير القيمة السوقية العادلة لمشروع عقاري لا يزال في طور التنفيذ أو لم يُنجز بالكامل، ويعتمد على مجموعة من المعايير الفنية والمالية والتشغيلية، من بينها موقع المشروع، تصميمه، نسبة الإنجاز، المخططات المعتمدة، التراخيص، تكلفة البناء المتبقية، وجدوى المشروع المتوقعة عند اكتماله.
يُعد هذا النوع من التقييم أداة حيوية لعدة أطراف:
المطورين العقاريين الذين يحتاجون إلى تمويل إضافي.
البنوك التي تقدم قروضًا بضمان المشروع.
المستثمرين الذين يدرسون الدخول في المشروع.
الجهات الرقابية التي تتابع سوق العقارات من حيث الشفافية والاستدامة.
الأسس الفنية لتقييم المشاريع غير المكتملة:
1. تحليل المخططات الهندسية والمعمارية:
يتم فحص تصميم المشروع، وعدد الوحدات، ونوع التشطيب، والمساحات، للتأكد من توافقها مع متطلبات السوق وتوجهات الطلب.
2. مراجعة التراخيص والتصاريح القانونية:
يجب أن يكون المشروع حاصلًا على التصاريح الرسمية من الجهات التنظيمية، مع مراعاة أي التزامات أو مخالفات محتملة.
3. نسبة الإنجاز وتكلفة الاستكمال:
كلما زادت نسبة الإنجاز، اقترب التقييم من القيمة السوقية الكاملة. أما إذا كان المشروع في مراحله الأولى، فيتم خصم تكلفة الاستكمال والمتغيرات الاقتصادية من التقييم النهائي.
4. موقع المشروع وديناميكية السوق:
يلعب الموقع دورًا حاسمًا في التقييم، إضافة إلى حالة السوق العقاري في المنطقة، وأسعار الوحدات المماثلة.
5. العائد المتوقع بعد الاكتمال (DCF):
يُستخدم نموذج التدفقات النقدية المخصومة لتقدير القيمة المستقبلية، خاصة إذا كان المشروع ذا طابع استثماري (تجاري، إداري، سياحي).
التحديات في تقييم المشاريع أثناء البناء:
عدم اليقين في التكاليف:
تكاليف المواد وعمليات البناء قد ترتفع فجأة، ما يجعل التقدير المالي عرضة للتغير.
تأخيرات في التنفيذ:
قد يتعثر المشروع بسبب مشكلات تمويل أو بيروقراطية، ما يؤثر على جاذبيته وجدواه.
اعتماد التقييم على افتراضات مستقبلية:
مثل معدلات الإشغال، أو تسعير البيع عند الإتمام، وهو ما قد لا يتطابق مع الواقع المستقبلي.
غياب مؤشرات الأداء الفعلية:
على عكس المشاريع الجاهزة، لا يمكن استخدام بيانات تشغيلية (مثل الإيجار الفعلي أو التكاليف التشغيلية)، مما يضع التقييم في إطار تقديري أكثر.
متى يُفضل التقييم خلال البناء؟
عند تقديم المشروع للتمويل البنكي.
في حال دخول شريك استثماري جديد.
عند إعادة جدولة الديون أو زيادة رأس المال.
لأغراض محاسبية داخل الشركات العقارية.
لتقييم قيمة الضمانات العقارية لدى الجهات الحكومية أو القضائية.
ما الفرق بين التقييم أثناء البناء والتقييم العقاري التقليدي؟
دور الخبرة في دقة التقييم:
كلما زادت خبرة المثمن العقاري، أصبح أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات، وتقدير المخاطر، والتحليل الفني للمشروع. وغالبًا ما تستعين المؤسسات الكبرى بمكاتب تقييم معتمدة لديها فرق عمل متخصصة في الهندسة والتمويل والسوق العقاري.
هل هناك معايير دولية تحكم التقييم؟
نعم، تعتمد العديد من المؤسسات المعايير الصادرة عن:
IVS – International Valuation Standards.
RICS – Royal Institution of Chartered Surveyors.
معايير التقييم الخليجية أو المحلية حسب الدولة.
هذه المعايير تضع أطرًا واضحة لتقييم الأصول العقارية بمراحلها المختلفة، وتضمن النزاهة والمهنية والشفافية.
تقييم ما لم يُبنَ بعد… فن يحتاج علمًا وحذرًا
رغم التحديات، يبقى التقييم العقاري أثناء مرحلة البناء عنصرًا جوهريًا في منظومة التطوير العقاري الحديث. هو البوصلة التي توجه التمويل، وتحدد القيمة، وتدير المخاطر، بشرط أن يستند إلى دراسات دقيقة، وخبرة واسعة، ونظرة مستقبلية واقعية.
في النهاية، التقييم في هذه المرحلة ليس مجرد تقدير مالي، بل اختبار للثقة في الرؤية والتخطيط والتنفيذ.