سلاسل الإمداد العقاري في السعودية: شريان التنمية ومفتاح التحول
د. عماد درويش
تُعد سلاسل الإمداد العقاري اليوم أكثر من مجرد عمليات دعم لوجستي خلف الكواليس؛ فهي تمثل العمود الفقري للقطاع العقاري، وشريان الحياة لمشاريعه الطموحة، وفي السعودية، ومع تسارع نمو القطاع العقاري بقيادة رؤية 2030، أصبحت كفاءة سلاسل الإمداد عنصرًا حاسمًا في إنجاح المشروعات الكبرى وتحقيق التوازن بين الجودة، والسرعة، والاستدامة.
إن سلاسل الإمداد العقاري هي منظومة مترابطة من العمليات والجهات تشمل موردين، ومصنّعين، ومقاولين، ومكاتب استشارية، وجهات تمويلية، وفرق لوجستية، تعمل جميعها بتكامل لضمان تنفيذ المشاريع العقارية بكفاءة من الفكرة إلى التسليم.
وإذا حاولنا استعراض واقع سلاسل الإمداد العقاري في السعودية بالأرقام نجد أننا امام استثمارات ضخمة: ففي منتدى سلاسل الإمداد العقاري 2025 تم توقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 21 مليار ريال، شملت قطاعات التوريد والتصنيع والتقنيات والخدمات اللوجستية كما ارتفعت نسبة استخدام المواد المحلية في مشاريع الشركة الوطنية للإسكان من 54% في 2023 إلى 63% في 2024، ويُستهدف الوصول إلى 70% في السنوات القادمة.
وتتجاوز فرص الاستثمار في سلاسل الإمداد العقاري 10 مليارات ريال، مع إمكانية خلق أكثر من 5,000 وظيفة نوعية في السنوات الثلاث المقبلة.
وتكتسب سلاسل الإمداد أهمية لنهضة القطاع العقاري تتمثل في تمكين المشاريع الكبرى: مثل نيوم، ذا لاين، و روشن، التي تتطلب سلاسل إمداد متقدمة لتلبية جداول تنفيذها وضمان جودة بنائها وخفض التكاليف: عبر تقليل الفاقد والهدر، وتحقيق التكامل بين الموردين والمطورين وتحقيق الاستدامة: من خلال استخدام تقنيات مثل نمذجة معلومات البناء (BIM)، والطباعة ثلاثية الأبعاد، واعتماد مواد صديقة للبيئة.
وتعزيز التوطين: دعم المصانع المحلية يعزز الاقتصاد الوطني ويقلل من الاعتماد على الواردات.
ورغم النمو، تواجه سلاسل الإمداد تحديات مؤثرة، منها الاضطرابات الجيوسياسية: خاصة في سلاسل الشحن البحرية، وخاصة تأخيرات وارتفاع تكاليف النقل.
نقص الكفاءات والموردين المؤهلين محليًا وتفاوت في التكامل الرقمي بين أطراف السلسلة كما ان بيروقراطية بعض الإجراءات التنظيمية والجمركية تعد من العوائق استراتيجيات سعودية لمستقبل أكثر كفاء لتحقيق نقلة نوعية، تتبنى المملكة عدة توجهات منها التحول الرقمي: بإطلاق منصات مثل «سبلاي برو» لربط المطورين بالموردين وتحسين إدارة العمليات.
الشراكات الدولية والمحلية: مثل اتفاقية «سيتك الصينية» لإنشاء مناطق صناعية متخصصة تخدم قطاع البناء.
دعم التوطين: بتمكين المصانع الوطنية وإلزام المشاريع بنسب معينة من المحتوى المحلي.
تحفيز التدريب والتأهيل: لسد الفجوة في الكفاءات الوطنية المؤهلة للعمل في سلاسل الإمداد.
وفي الوقت الذي تنظر فيه الدول إلى تطوير البنية التحتية كأولوية اقتصادية، تتعامل السعودية مع سلاسل الإمداد العقاري بوصفها مشروعًا وطنيًا متكاملاً. فكلما كانت هذه السلاسل أكثر مرونة وذكاءً، ازدادت قدرة المملكة على تنفيذ مشاريعها العقارية وفق أعلى المعايير العالمية، وبهوية سعودية راسخة. المستقبل العقاري في المملكة لن يُبنى فقط بالإسمنت والخرسانة، بل بسلاسل إمداد قوية، ذكية، ومستدامة.
كاتب اقتصادي