في ظل انتعاش قوي يشهده قطاع التجزئة في العاصمة الرياض، كشفت شركة “نايت فرانك” أن إيجارات المحال التجارية في المراكز الكبرى ارتفعت بنسبة 4% خلال عام واحد، لتصل إلى 2848 ريالًا للمتر المربع، مدفوعة بطفرة في الطلب وزيادة ملحوظة في إنفاق المستهلكين.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن الشركة، فإن إجمالي إنفاق المستهلكين في المملكة، بما يشمل السحب النقدي، ارتفع بنسبة 7% خلال عام 2024 ليصل إلى 1.41 تريليون ريال، مقارنة بـ1.31 تريليون في 2023. ويأتي هذا النمو مدعومًا بازدهار التجارة الإلكترونية بنسبة 26% لتبلغ 197.4 مليار ريال، ما يعكس تحولًا ملحوظًا في سلوك المستهلكين نحو الشراء عبر المنصات الرقمية.
الرياض تستحوذ على النصيب الأكبر
تتصدر الرياض المشهد في توسع قطاع التجزئة، حيث تستحوذ على 2.2 مليون متر مربع من أصل 4.9 مليون متر مربع من المساحات التجارية المخطط إضافتها في كبرى المدن السعودية بحلول عام 2030. وتشير البيانات إلى أن إجمالي المعروض في المدينة بلغ 4 ملايين متر مربع بنهاية الربع الأول من 2025، مدفوعًا بمشروعات ضخمة مثل “سوليتير الرياض” الذي أضاف 65 ألف متر مربع من التجزئة والترفيه الرفيع.
ومن المتوقع أن تُضاف 540 ألف متر مربع أخرى خلال 2025، لترتفع المساحات التجارية إلى 5.2 مليون متر مربع بحلول 2026، بزيادة قدرها 20% خلال عامين فقط.
مشروعات كبرى تعيد رسم خريطة التجزئة
تشهد الرياض تنفيذ مشروعات استراتيجية مثل “القدية” و”الأفنيوز الرياض” و”جوهرة الرياض”، والتي تهدف إلى تقديم تجارب تسوق وترفيه تتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، لا سيما تحسين جودة الحياة وتنويع الاقتصاد.
وقال جوناثان باجيت، رئيس قسم استشارات التجزئة في “نايت فرانك”: “تزايد عدد السكان وارتفاع الدخل القابل للإنفاق يسرّعان من تحوّل قطاع التجزئة في الرياض، مع توجه المطورين نحو تصميم مساحات تجريبية تشمل الترفيه والمطاعم ودور السينما”.
الطلب على السلع الفاخرة يتزايد
رغم توسع علامات الأزياء الفاخرة مثل غوتشي وهاكيت لندن وستيف مادن في السوق السعودية، أشار التقرير إلى أن المستهلكين المحليين ما زالوا يقدّرون العروض الترويجية والأسعار المعقولة، وهو ما يعكس توازنًا مطلوبًا بين الفخامة والقيمة.
وفي قطاع المأكولات والمشروبات، أظهرت البيانات أن ثلث معاملات نقاط البيع في 2024 – أي نحو 198.6 مليار ريال – كانت في المطاعم والمقاهي، مما يبرز دور هذا القطاع كمحرك رئيسي في تجربة البيع بالتجزئة.
التحول الرقمي والشراء بالتقسيط يعيدان تشكيل السوق
أصبحت التكنولوجيا محركًا رئيسيًا في قطاع التجزئة، حيث باتت 40% من معاملات نقاط البيع تتم عبر التجارة الإلكترونية. ويُعد قطاع “الشراء الآن والدفع لاحقًا” (BNPL) من أبرز الابتكارات التي حظيت بانتشار واسع، خاصة عبر شركات مثل تابي وتمارا، التي تستحوذان على 95% من السوق وتوفران حلول تمويل شرعية بدون فوائد.
وقال عمار حسين، الشريك المساعد للأبحاث: “تحوّل سوق التجزئة ليس محصورًا في شريحة عمرية واحدة، بل تقوده عدة فئات منها الشباب البارع في التقنية، وكبار السن الحريصين على القيمة، والسياح الباحثين عن تجارب فاخرة، ما يعزز التنوع ويخلق طلبًا على تجزئة متعددة القنوات”.
فرص واعدة ونمو متسارع
توضح هذه المؤشرات أن قطاع التجزئة في السعودية، ولا سيما في العاصمة الرياض، يسير بخطى متسارعة نحو بيئة أكثر حداثة وتنوعًا وجاذبية للمستثمرين. ومع استمرار نمو الإيجارات وزيادة الطلب، تبرز الرياض كوجهة إقليمية رائدة لتجارب التسوق المتكاملة التي تجمع بين الترفيه والفخامة والقيمة.