التستر العقاري المقنّع.. من «الحارس» إلى «الوسيط المخالف»
سَلِّم المفتاح وارتاح، والمرخص في مهب الرياح
ضيف الله المتعاني
رغم جهود الدولة المباركة – أيدها الله – في تنظيم السوق العقاري من خلال الأنظمة الصارمة، والتراخيص المعتمدة، والرقابة الفاعلة، لا تزال بعض الممارسات الفردية تشكّل ثغرة خطيرة تهدد هذا البناء المنظم، وتفتح الباب أمام التستر والمخالفات.
ومن أبرز هذه الممارسات المؤسفة، قيام بعض الملاك بتسليم عقاراتهم لأشخاص لا يحملون أي صفة قانونية أو ترخيص مهني، سواء في الإدارة أو الإشراف أو التفاوض. بل وصل الحال إلى تمكين أفراد يحملون «تأشيرة زيارة» أو تصنيفات مهنية لا علاقة لها بالقطاع – كـ «سائق خاص» – من إدارة عقارات بمبالغ تصل للملايين، دون أي ضمان نظامي أو مساءلة قانونية.
مفارقة مقلقة: المرخَّص يُهمَّش… والمخالف يُؤتمن!
رغم وجود مؤسسات ومكاتب عقارية مرخصة، تملك التراخيص النظامية، وتخضع للرقابة، وتلتزم بالأنظمة، إلا أن بعض الملاك يتجاوزون هذه الجهات، ويفضّلون التعامل مع أفراد لا يُعرف عنهم شيء، لا سجل ولا عنوان ولا صفة قانونية.
في المقابل، الجهات المرخصة تلتزم بعدد من الاشتراطات المعتمدة، منها:
سجل تجاري رسمي.
رخصة بلدية وسلامة من الدفاع المدني.
شهادة خلو سوابق من الأدلة الجنائية.
اشتراك في نظام «شموس» الأمني.
رخصة «فال» من الهيئة العامة للعقار.
تصاريح لإدارة الأملاك والمرافق.
ومع هذا كله، تُقصى هذه الجهات أحيانًا لصالح من لا يحمل سوى «الثقة الشخصية» دون أي غطاء نظامي!
حيلة «الحارس المخالف»… غطاء لوساطة غير نظامية
إحدى أبرز صور التستر تتمثل في تسليم مفاتيح العقار لأشخاص مخالفين تحت غطاء «حارس عقار»، دون أي توثيق قانوني، أو عقد موثق، أو إقامة نظامية تربطهم بالمالك أو بالعقار.
ويُلاحظ أن كثيرًا من هؤلاء:
لا يثبت سكنه داخل الوحدة العقارية
ولا توجد بينه وبين المالك أي علاقة نظامية موثقة (سكن أو عمل).
ومع ذلك، يتصرف في العقار كوسيط، يستقبل المستأجرين، ويعرض الوحدات، ويتفاوض نيابة عن المالك!
ويُضاف إلى ذلك، أن هذه الفئة:
تعيق وصول المكاتب النظامية إلى العقار عند طلب المعاينة.
ترفض التعاون مع الوسطاء المرخصين.
وتُمارس نفوذًا غير مشروع يخالف الأنظمة، ويُضعف المؤسسات النظامية أمام المستثمر والمستأجر.
وهكذا، تُمنح الوساطة العقارية لمن لا يحمل صفتها، في حين يُحارب النظامي ويُحرَم من ممارسة دوره، رغم ما يقدمه من التزامات قانونية ومالية.
السعي النقدي… ثغرة تمكّن المخالف وتُغذي التستر
من أخطر أوجه الخلل المالي في السوق، هو دفع السعي العقاري نقدًا (كاش) لأفراد غير مرخصين، دون أي توثيق بنكي أو مرجعية رسمية.
ما يفتح الباب على مصراعيه لـ:
التستر المالي.
غياب المساءلة.
ضياع الحقوق.
مرور أموال لا تُعرف مصادرها أو وجهاتها.
مقترح تنظيمي:
لحماية السوق من هذه الثغرة، نقترح ما يلي:
اشتراط تحرير السعي العقاري بشيك بنكي باسم الوسيط النظامي فقط.
منع التعاملات النقدية تمامًا في هذا المجال.
إلزام البنوك بعدم صرف أي شيك «سعي» إلا بعد إبراز رخصة «فال» سارية.
رفض الصرف لأي جهة أو فرد لا يحمل ترخيصًا عقاريًا نظاميًا.
توصيات لحماية السوق من العبث:
- فرض غرامات مالية على الملاك أو المشترين الذين يثبت تعاملهم مع وسطاء غير مرخصين.
- ربط إجراءات الإفراغ العقاري بوجود عقد وساطة موثق عبر موقع الهيئة العامة للعقار.
- تقييد صرف شيكات السعي بضرورة تقديم رخصة «فال».
- تنفيذ حملات توعية وطنية للملاك والمستثمرين حول أهمية الالتزام بالوساطة النظامية.
- تقديم حوافز رسمية للمتعاملين مع الوسطاء المرخصين.
- حماية الحقوق المهنية للمكاتب والمؤسسات المرخصة، وتعزيز حضورها في السوق.
ختامًا:
السوق العقاري السعودي يشهد تحولًا نوعيًا نحو الحوكمة والرقابة والتنظيم، ويجب أن يُواكَب هذا التحول بوعي كامل من جميع الأطراف، سواء من الملاك أو المستثمرين أو المتعاملين في القطاع.
العقار ليس مجرد باب يُغلق أو مفتاح يُسلَّم… بل مسؤولية نظامية، وأمانة مهنية، لا تُمنح إلا لمن يستحقها ويحمل صفته القانونية بوضوح.
وسيط وخبير عقاري