أظهر آخر تحديث لنشرة نبض الاقتصاد السعودي الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط أن مؤشر أسعار العقار في المملكة ارتفع إلى 104.9 نقطة خلال الربع الأول من العام الجاري، مسجّلًا نموًا فصليًا قدره 0.7 % وزيادة سنوية بلغت 4.3 %. وتؤكد هذه الأرقام أن السوق العقارية السعودية تمضي في مسار صعود تدريجي متزن، مدعومة بحزمة عوامل تمويلية وتنظيمية وحكومية لا تزال تحفّز الطلب وتحافظ على استقرار الأسعار.
طلب راسخ وتمويل ميسّر
يرجع كثير من الخبراء هذا الصعود المتوازن إلى صلابة الطلب على الوحدات السكنية، خاصة من شريحة الشباب والأسر الباحثة عن مسكن أول. ومع استمرار برامج التمويل المدعومة من البنوك والجهات التمويلية، باتت القدرة الشرائية للمواطنين أكثر مرونة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على حركة البيع والشراء ويُبقي الأسعار بمنأى عن القفزات الحادة.
ضبط حكومي ورؤية واضحة
تعمل الجهات التنظيمية، وعلى رأسها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وهيئة العقار، على ضبط إيقاع السوق عبر مبادرات تعزز الشفافية وتمنع المضاربات غير الصحية. ويصب هذا الجهد في خدمة هدف رؤية 2030 المتمثل برفع نسبة تملّك المواطنين للمساكن إلى 70 % بنهاية العقد، ما يضع استقرار الأسعار كأولوية تتقاطع مع مصالح المطورين والمشترين على السواء.
مؤشر مهم وصورة أوضح للمستثمرين
يمثّل مؤشر أسعار العقار أحد معايير القياس الجوهرية التي يتابعها المستثمرون المحليون والأجانب لاستشراف اتجاهات التضخم في القطاعين السكني والتجاري. ووسط التحديثات المتلاحقة للوائح وأنظمة السوق، يمنح المؤشر المستثمرين قراءة أوضح حول جدوى ضخ رؤوس الأموال في مشاريع التطوير الجديدة أو المحافظ القائمة.
برامج تحفيزية وبنية تحتية متسارعة
خلال السنوات الأخيرة، استقبلت السوق دفعات دعم حكومي واسعة النطاق، أبرزها برنامج «سكني» الذي يوفر وحدات جاهزة وأراضٍ مطورة، إضافة إلى مبادرة «دعم التمويل العقاري» التي تخفّض كلفة القروض السكنية وترفع القدرة الشرائية. بالتوازي، شهدت المدن الكبرى طفرة في مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي أضاف قيمة مضافة للمخططات السكنية والتجارية وأسهم في تعزيز جاذبية المواقع قيد التطوير.
نشاط قياسي في التوثيق والوساطة
وفي إشارة أخرى إلى حيوية السوق، أعلنت الهيئة العامة للعقار نهاية أبريل عن تسجيل أكثر من 96 ألف عقد وساطة عقارية خلال الربع الأول من 2025، بزيادة لافتة بلغت 97 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا النمو القياسي يعكس إقبالًا متصاعدًا من المستثمرين والمطورين، فضلًا عن الثقة المتنامية في البيئة التنظيمية التي عزّزتها التشريعات المستحدثة ومنصات التوثيق الإلكترونية.
استقرار بلا فقاعات
يعزّز مسار النمو المتزن فرضية ابتعاد السوق السعودية عن تكوين فقاعات سعرية، إذ لا تزال الزيادات ضمن نطاقات مقبولة وتُدار بآليات تمويلية تُراعى فيها مخاطر الرفع المالي على الأفراد والشركات. كذلك أسهمت السياسات النقدية الحصيفة في احتواء معدلات التضخم، ما جعل الزيادة في الأسعار تعكس القيمة الحقيقية للأصول وليس مضاربات قصيرة الأجل.
ويتوقّع محللون أن يستمر المؤشر في مساره الصاعد بوتيرة مشابهة خلال الفصول المقبلة، مدفوعًا بالمشاريع الحكومية الضخمة مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر، علاوة على توسّع المطورين في المدن المتوسطة والصغيرة لتلبية الطلب المتنامي. ومع التزامات الحكومة بمواصلة الدعم وتمكين الحلول التمويلية، تبدو السوق السعودية مُقبلة على مرحلة توازن ديناميكي يحافظ على جاذبية الاستثمار ويحمي المستهلك في آن واحد.