التحول العقاري في السعودية.. من العشوائية إلى الريادة
د. حمود الفالح
شهد القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية تحوّلًا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا برؤية 2030 الطموحة التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أرست دعائم إصلاح شامل نقلت السوق من حالة عشوائية إلى منظومة شفافة ومنضبطة تتسم بالكفاءة والاستدامة.
في السابق، كان القطاع العقاري يعاني من غياب التنظيم، والمضاربات، واحتكار الأراضي البيضاء، مما جعل تملّك السكن حلمًا بعيد المنال للكثير من المواطنين. لكنّ رؤية 2030 جاءت لتُعيد هيكلة هذا القطاع بشكل جذري عبر حزمة من السياسات والتشريعات، منها فرض رسوم على الأراضي البيضاء لتحفيز تطويرها، وتوسيع النطاق العمراني في مناطق استراتيجية مثل شمال الرياض، مما زاد المعروض وخفّض الأسعار تدريجيًا.
لعبت الهيئة العامة للعقار دورًا محوريًا في دفع هذا التحول، حيث عملت على إعداد منظومة تشريعية متكاملة شملت 18 نظامًا عقاريًا، هدفت إلى تنظيم السوق، وضمان حقوق جميع الأطراف، وتعزيز التنافسية، ورفع الشفافية. وقد أسهمت هذه الجهود في تصنيف المملكة ضمن أفضل 40 سوقًا عقاريًا على مستوى العالم في مؤشر الشفافية العقارية لعام 2024.
كما نوّه صندوق النقد الدولي بما حققته المملكة في القطاع العقاري، مشيرًا إلى ارتفاع نسبة رضا المواطنين عن الخدمات السكنية، وتقدّم نسبة تملك المواطنين للمساكن إلى 64%، نتيجة لتنظيم السوق، وحوكمة الإجراءات، وتوفير بيانات ومؤشرات عقارية موثوقة عبر منصات إلكترونية ذكية.
التحول لم يكن تقنيًا فقط، بل ثقافيًا أيضًا؛ إذ تغيّر وعي المواطن والمستثمر من التمسك بالأرض والمضاربة، إلى التفكير في العائد والاستثمار الذكي ضمن بيئة تحكمها الشفافية وتحفز الابتكار. أُطلقت مبادرات مثل “سكني”، و”إيجار”، و”ملاك”، لتسهيل العلاقة بين المالك والمستأجر والمطور العقاري، كما تم توثيق التعاملات إلكترونيًا، وتفعيل السجل العقاري لتعريف كل وحدة عقارية بمواصفاتها وملاكها بدقة.
ولم تقتصر المبادرات على السكن، بل شملت القطاعات التجارية، والسياحية، والزراعية، والصناعية، من خلال نظام بيع وتأجير العقارات على الخارطة، والمساهمات العقارية، التي توفر حلولًا تمويلية مرنة تسهم في تسريع وتيرة التطوير العمراني.
اليوم، أصبح القطاع العقاري في المملكة أحد أبرز محركات النمو غير النفطي، يرفد الناتج المحلي، ويوفر فرصًا استثمارية واعدة، ويؤسس لمدن أكثر كفاءة واستدامة. الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتكامل السياسات مع الرؤية الوطنية، جعلت العقار جزءًا من مشهد حضري متجدد، يتماشى مع تطلعات المواطن، ويتناغم مع طموحات المملكة في بناء اقتصاد متنوع.
باختصار، ما تحقق في القطاع العقاري السعودي ليس مجرد إصلاح إداري، بل هو قصة تحول استراتيجي أعادت الثقة للسوق، ووضعت المواطن في قلب التنمية، وفتحت آفاقًا رحبة نحو مدن ذكية، واستثمارات مستدامة، ومستقبل عمراني أكثر إشراقًا.