من خلال متابعتنا اليومية لتحولات السوق العقاري في المملكة، لمسنا كيف بدأت ملامح الاستثمار تتغير بوتيرة متسارعة. فلم يعد الاستثمار حكرًا على من يملك الملايين. وبينما كنا نراقب صعود المشاريع الكبرى وتنوع الفرص العقارية، بدأ يظهر أمامنا نموذج مختلف كليًا، وهو التملك الجزئي.
كان هذا المفهوم يلوح في الأفق، ثم شيئًا فشيئًا بدأ يترسخ كخيار حقيقي، يجذب أنظار المستثمرين من مختلف الشرائح. ومع كل منصة جديدة تُطلق أو تشريع يتم إقراره، أدركنا أننا أمام تحول جذري، لم يعد الاستثمار العقاري فيه حلمًا بعيد المنال، بل بات واقعًا قابلًا للتحقيق، بطرق أبسط، وبتكلفة أقل، وبتقنيات حديثة تغير المستقبل.
ما هو تملك العقارات الجزئي؟
يقوم التملك الجزئي على فكرة مبتكرة تتيح للأفراد فرصة الاستثمار في العقارات دون الحاجة لشراء العقار بالكامل. فبدلاً من تحمل التكلفة الكاملة لوحدة سكنية أو تجارية، يمكن للمستثمر امتلاك حصة صغيرة منها تمنحه حقوقًا مالية متناسبة، كالحصول على جزء من العوائد الإيجارية أو الأرباح الناتجة عن ارتفاع قيمة العقار.
يجعل هذا النموذج الاستثمار العقاري أكثر سهولة وتنوعًا، ويمنح شريحة أكبر من الناس «حتى من لا يملكون رؤوس أموال كبيرة» فرصة دخول هذا السوق الواعد. فهو من أبرز الفرص العقارية التي يتطلع إليها كل من يرغب في دخول هذا المجال الاستثماري.
منصات رقمية تقود التحول
في السنوات الأخيرة، بدأت منصات رقمية متخصصة بالظهور في السوق السعودي، ما سهل عملية التملك الجزئي بشكل كبير، وأضفى عليها طابعًا رقميًا شفافًا.
منصة Stake
تُعد منصة Stake واحدة من أبرز المنصات العالمية التي دخلت السوق السعودي في نهاية عام 2024، بعد الحصول على تصريح من هيئة السوق المالية السعودية عبر برنامج مختبر التقنية المالية. وتتيح المنصة الاستثمار في العقارات بمبالغ تبدأ من نحو 500 ريال سعودي فقط. وقد حققت المنصة في عام 2023 متوسط عائد سنوي بلغ 10.3%، وهو رقم مغرٍ للكثير من المستثمرين الباحثين عن بدائل للمدخرات التقليدية.
توفر Stake للمستخدمين إمكانية شراء حصص في وحدات سكنية أو تجارية. كما تتيح بيع الحصص بعد عام من التملك، أو الاستمرار حتى نهاية مدة الاستثمار المحددة في العقار.
منصة Jozo (جزو)
وهي منصة محلية سعودية أُطلقت في نوفمبر 2024، وتعد من أوائل اللاعبين المحليين في هذا القطاع. تقدم Jozo تجربة استثمارية مرنة تتيح للأفراد الدخول بمبالغ صغيرة، وتحقيق عوائد سنوية قد تصل إلى 8% من الإيجار، بالإضافة إلى الأرباح الرأسمالية المحتملة عند ارتفاع أسعار العقار.
تجربة التوكن العقاري: الاستثمار بريال واحد
في يوليو 2025، أعلنت شركة droppRWA بالتعاون مع شركة رافال العقارية عن إطلاق مشروع تجريبي لتوكن العقار، وهو نظام قائم على تقنية البلوكتشين. يتيح المشروع للمستثمرين امتلاك حصص رمزية في عقارات فاخرة، تبدأ قيمتها من ريال سعودي واحد فقط.
يُعد هذا المشروع نقلة نوعية في فتح أبواب الاستثمار العقاري أمام الجميع، مهما كانت قدراتهم المالية، ويجسد طموحات المملكة في رقمنة الأصول.
تغييرات تشريعية تدعم التوسع
دعمت الحكومة السعودية هذا التوجه من خلال إصدار تشريعات جديدة تنظم التملك العقاري للأجانب. ففي منتصف عام 2025، صدر قانون جديد يسمح لغير السعوديين بتملك العقارات داخل المملكة، باستثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة. كما يسمح للأجانب بتملك حصص تصل إلى 49% في شركات تملك عقارات سعودية، ما يفتح الباب أمام المستثمرين العالميين للاستفادة من الطفرة العقارية التي تشهدها المملكة.
لماذا يُعد هذا خيارًا جذابًا؟
في ظل تغير طبيعة الاستثمار وتنامي الاهتمام بالحلول المرنة، يبرز التملك الجزئي كأحد أكثر الخيارات ملاءمة للأفراد الذين يبحثون عن مدخل آمن ومربح لعالم العقار دون تعقيدات الملكية الكاملة. إليك أبرز الأسباب التي تجعل منه خيارًا جذابًا:
- سهولة الدخول؛ إذ لم يعد العقار حكرًا على أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة. ويمكن اليوم لأي شخص أن يبدأ من مئات الريالات فقط.
- تنويع الاستثمارات، فبدلاً من وضع رأس المال في عقار واحد، يمكن توزيع الحصص على عدة مشاريع في مدن مختلفة.
- عدم الحاجة للإدارة مباشرة، أو التعامل مع المستأجرين، فكل شيء يتم عبر المنصة الرقمية.
- عوائد مستقرة، فالقطاع العقاري السعودي يشهد نموًا متسارعًا مدعومًا بالمشاريع الكبرى مثل نيوم والقدية، ما يعزز فرص الربح.
بعض التحديات المحتملة
رغم المزايا العديدة، هناك تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار، من بينها أن بعض المنصات ما زالت في طور التجريب، وقد تختلف العوائد بحسب نوع العقار والموقع. كما أن المستثمرين الأجانب ما زالوا بحاجة إلى تصاريح خاصة، وبعض المناطق كالحرمين الشريفين ما تزال مغلقة أمام التملك الكامل لغير السعوديين.
يمثل التملك الجزئي للعقارات نقلة حقيقية في مفهوم الاستثمار داخل المملكة. فهو يجمع بين الحداثة والتقنية، وبين التمكين المالي والفرص المتاحة للجميع. ومع تزايد المنصات والتسهيلات الحكومية، يبدو أن هذا النموذج سيشكل ركيزة أساسية في مستقبل السوق العقاري السعودي، لا سيما في ظل التحول الرقمي والاقتصادي الشامل الذي تعيشه المملكة.