الإحياء بين الواقع والدعوى: قراءة قانونية في ادعاءات الحيازة العقارية
د. عبدالحكيم بن عبدالله الخرجي
في زمن لم تكن فيه الآلة قد دخلت ميادين الفلاحة، ولم تكن شبكات المياه أو الكهرباء قد بسطت امتدادها، تبدو بعض الادعاءات بحيازة أراضٍ شاسعة – تمتد لمئات الآلاف أو حتى الملايين من الأمتار المربعة – أمرًا يدعو للتأمل، بل للتساؤل المشروع.
فهل يُعقل، قانونًا ومنطقًا، أن يقوم شخص واحد، أو حتى مجموعة محدودة، بزراعة أرض بكر بهذه الضخامة في صحراء جافة قبل قرن من الزمان؟
وهل يكفي مجرد الادعاء بالإحياء، دون إثبات شرعي أو مادي، لتثبيت الحيازة ونقل الملكية؟
إن نظام الأراضي وإجراءات التملك في المملكة قد مرّ بتحولات تنظيمية دقيقة، من أبرزها نظام الإحياء وتطبيقاته الشرعية، والذي يُفترض فيه أن يكون الإحياء فعليًا، متصلًا، ومتناسبًا مع الجهد البشري المعقول. فالإحياء في مفهومه الفقهي لا يكون بالإدعاء، بل بالعمل المشهود والنتيجة المحسوسة.
بل إن المنطق في الإحياء أن يكون في حدود الطاقة البشرية، وأن يتم استغلال الأرض بشكل منتظم، لا أن تكون الإحياءات مجرد أسوار لا يتبعها زرع، أو مطالبات لا يدعمها أثر.
ومن هنا، ينبغي عند نظر مثل هذه الدعاوى مراعاة معيار المنطق الواقعي، وتقدير الظروف التاريخية، ومحدودية الوسائل حينذاك، وأخذ شهادة الجيران والخبراء بعين الاعتبار، وعدم التساهل في منح صكوك تملّك لأراضٍ لم تُزرع إلا في أوراق الدعاوى.
إن احترام الملكية الخاصة لا يعني الانجراف خلف دعاوى غير مدعومة، كما أن حماية الأراضي العامة مسؤولية قانونية ووطنية في آن.
فالعدل لا يكون في تمليك غير المستحق، بل في تحصين الحق ومنع ادعائه بغير وجه حق.
محامي ومختص في الحوكمة والامنثال القانوني.