المعارض العقارية… منصات التنمية واستشراف المستقبل:
«سيتي سكيب الرياض» نموذجًا
د. عماد العبد الرحمن
تشكل المعارض العقارية اليوم واحدة من أهم أدوات التنمية الاقتصادية والتسويقية للقطاع العقاري السعودي، خصوصًا في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها السوق العقاري المحلي ضمن رؤية المملكة 2030، فالمعارض لم تعد مجرد منصات لعرض المشاريع، بل أصبحت بمثابة محركات تنموية متكاملة تجمع بين الاستثمار، التسويق، الابتكار، ونقل المعرفة بين المستثمرين والمطورين والمستهلكين.
وتلعب المعارض العقارية دورًا محوريًا في تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، حيث توفر بيئة مثالية للتعرف على المشاريع الجديدة وتوقيع صفقات استراتيجية تسهم في نمو القطاع. ووفق بيانات اقتصادية حديثة، يساهم النشاط العقاري بحوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، والمعارض تعمل على تسريع هذا النمو من خلال تعزيز حجم الصفقات وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات مرتبطة مثل المقاولات، التمويل، التسويق، التصميم والخدمات اللوجستية.
كما أن المعارض تمثل مؤشرًا على حيوية السوق، حيث تعكس الطلب على العقار وتوقعات المستثمرين، وتساعد على توزيع الاستثمارات بشكل استراتيجي بين المدن والمناطق المختلفة، وتنظيم هذه المعارض بشكل دوري يسهم في استدامة النشاط الاقتصادي للعقارات، خصوصًا في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة.
تجاوزت المعارض العقارية دورها التقليدي كمجرد منصات لعرض المشاريع، لتصبح مساحات لتبادل المعرفة والابتكار. فمن خلالها يمكن للمطورين والمستثمرين الاطلاع على أحدث الاتجاهات العمرانية والتقنيات المستخدمة في البناء والتسويق العقاري، كما توفر هذه الفعاليات فرصة لتعزيز الثقة بين المستثمر والمطور والمستهلك، عبر عرض المشاريع بشكل شفاف، وإتاحة بيانات مفصلة حول الأسعار، خطط الدفع، والجودة.
ويؤكد خبراء التسويق العقاري أن المعارض تسهم أيضًا في تعزيز هوية المدن المستقبلية من خلال عرض المشاريع الكبرى والمدن الذكية، بما يعكس رؤية المملكة لبناء مدن مستدامة ومتكاملة.
وتلعب المعارض العقارية دورًا مهمًا في تشكيل التوازن بين الطلب والعرض العقاري، إذ تسمح للمطورين بعرض مشاريع جديدة مباشرة للمستثمرين والمستهلكين، مما يزيد المعروض من الوحدات العقارية ويحد من تقلبات الأسعار الحادة. كما تساعد المعارض في توضيح القيمة الحقيقية للعقار من خلال المقارنة بين المشاريع المختلفة، ما يوفر للمستهلك العادي فرصة اختيار أفضل المشاريع بأسعار عادلة، ويمنح المستثمر بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات استثمارية أكثر ذكاءً.
أما المطورون العقاريون، فيستفيدون من الوصول المباشر إلى قاعدة مستهلكين واسعة وشركاء محتملين، ما يعزز من قدرة تسويق المشاريع وتقليل مخاطر البيع قبل الانتهاء من البناء. ويستفيد المستثمرون من المعارض أيضًا عبر الاطلاع على أحدث الصفقات ومقارنة العوائد المتوقعة، ما يزيد من فرص تحقيق أرباح أكبر وتنويع المحفظة العقارية.
وتمثل المعارض العقارية مصدرًا مباشرًا وغير مباشر للإيرادات على المستويات المختلفة منها الإيرادات المباشرة والايرادات غير المباشرة اما الإيرادات المباشرة فتتمثل في رسوم المشاركة للشركات والمطورين، ومن الصفقات العقارية المبرمة خلال أيام المعرض، إضافة إلى عقود الخدمات اللوجستية والإعلانية المصاحبة. على سبيل المثال، تشير تقارير «سيتي سكيب الرياض» إلى أن حجم الصفقات المعلنة خلال المعرض يصل إلى مليارات الريالات سنويًا، مما يعكس قوة المعارض في تعزيز السيولة في السوق العقاري.
وتتيح المعارض التواصل بين المستثمرين المحليين والدوليين، وفتح قنوات تمويل جديدة للمشاريع، بما يسهم في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتنويع مصادر الاستثمار في القطاع العقاري.
كما تسهم المعارض في توسيع الإيرادات للقطاع العقاري من خلال القطاعات المساندة مثل التسويق الرقمي، الإعلام، خدمات التمويل، المقاولات، التصميم الداخلي، والخدمات اللوجستية. وهذا التنوع يقلل الاعتماد على الإيرادات التقليدية من البيع المباشر للوحدات العقارية، ويعزز من استدامة العوائد على المدى الطويل.
الأثر الاقتصادي الأوسع: ينعكس النشاط المعرضي على الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الطلب على الخدمات المختلفة، ما يسهم في تحفيز قطاعات متعددة ورفع معدلات الإنتاجية ويعد معرض «سيتي سكيب الرياض» أبرز نموذج على نجاح هذه الفعاليات، حيث يجمع كل عام المطورين العقاريين المحليين والدوليين، المستثمرين، والشركات الناشئة في منصة واحدة. ويشهد المعرض توقيع صفقات عقارية ضخمة، مع عرض أحدث الابتكارات العمرانية والتقنية، ويتيح فرصًا للمستثمرين والمطورين لتنويع مصادر دخلهم من خلال الخدمات المساندة كما يعكس المعرض قدرة المملكة على تنظيم فعاليات عالمية المستوى، تعكس تطور الرياض العمراني وتبرزها كمركز إقليمي لجذب الاستثمارات العقارية والمعرفية إن المعارض العقارية ليست مجرد تظاهرات تجارية، بل روافع استراتيجية للتنمية المستدامة تدعم الاقتصاد الوطني وتعزز الابتكار العمراني. من خلال تأثيرها على الأسعار والمعروض العقاري، وإتاحة الفرص الاستثمارية وتنويع مصادر الدخل، توفر المعارض للمستهلك العادي والمستثمر والمطور فرصًا متكاملة لاتخاذ قرارات أفضل وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. ويؤكد «سيتي سكيب الرياض» أن المملكة تسير نحو بناء اقتصاد عقاري معرفي يعتمد على الشفافية، الشراكة، والتقنية الحديثة، مع استدامة هذه الفعاليات وتوسيع نطاقها إقليميًا وعالميًا.