تُعدّ قلعة “شعار” من أبرز المعالم التاريخية في منطقة عسير، ومعلمًا معماريًا يجسّد فنون البناء الجبلي القديم وطرق اختيار المواقع الدفاعية في المرتفعات الجنوبية للمملكة.
وتقع القلعة في منطقة تُعرف باسم “باحة شعار”، على بُعد نحو 33 كيلومترًا شمال مدينة أبها، بالقرب من تقاطع خط العرض (18/26) شمالًا وخط الطول (42/27) شرقًا، وقد شُيّدت على مساحة شبه مستوية ترتفع بين (2400 و2800) متر فوق سطح البحر.
وتُشرف القلعة من جهتها الغربية على وادي “تيه”، وتحيط بها من الجهات الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية سلسلة من التلال والأودية المتفرعة، ما يمنح الموقع طابعًا طبيعيًا فريدًا ويُبرز دقة اختيار موضعها كنقطة إشراف ورصد تمتد على مسافات واسعة من الجبال والسهول.
ويُرجّح الباحث الدكتور غيثان بن جريس في كتابه “أبها.. حاضرة عسير” الصادر عام 2009م، أن بناء القلعة مرّ بعدة مراحل تاريخية بدأت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وتوالت عليها أعمال التحصين والتوسعة حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، لتصبح من أهم القلاع ذات الطابع العسكري الدفاعي، إذ كانت تسيطر على طرق المارة عبر عقبة شعار -المعروفة قديمًا باسم “عقبة تيه”- وتؤمّن طرق التواصل بين السراة وتهامة.
وتتكوّن القلعة من مجموعة مبانٍ حجرية متجاورة تتوزع وفق تصميم هندسي يراعي تضاريس الجبل، وتضم أبراج مراقبة وساحات فسيحة كانت تُستخدم للتدريب، إضافةً إلى غرف داخلية ذات نوافذ ضيقة للمراقبة والدفاع. شُيّدت جدرانها من الحجارة المحلية الممزوجة بمادة الطين الكلسي، ما منحها متانة عالية مكّنتها من الصمود لعقود طويلة.
وعلى الرغم مما أصابها من عوامل التعرية والزمن، لا تزال قلعة شعار تحتفظ برونقها التاريخي وهيبتها المعمارية، وتشكل وجهةً لعشاق التاريخ والباحثين عن المعالم الأثرية في عسير.
وتتولى هيئة التراث حاليًا تنفيذ مشروع شامل لترميم وتأهيل موقع قلعة شعار الأثري بمنطقة عسير؛ بهدف المحافظة على قيمته التاريخية والمعمارية وإبراز دوره في التاريخ المحلي للمنطقة. ويشمل المشروع أعمال ترميم دقيقة للأجزاء المتضررة من مباني القلعة وأبراجها الحجرية، وإعادة تأهيل الممرات والساحات الداخلية ومسارات الوصول، مع تنفيذ تحسينات للبنية التحتية والخدمات وفق معايير الحفاظ على المواقع الأثرية، بما يضمن استدامة الموقع واستقباله للزوار بما يليق بمكانته.
ويمثل هذا المشروع إحدى المبادرات الرئيسة -ضمن برنامج العناية بالمواقع الأثرية والتراثية القابلة للزيارة- التي تنفذها هيئة التراث لتهيئة المواقع ذات القيمة التاريخية لاستقبال الزوار، وتطويرها بأساليب تراعي الأصالة وتواكب متطلبات العرض الحديث.
وتسهم هذه الجهود في تعزيز حضور التراث الوطني في المشهدين الثقافي والسياحي، ودعم التنمية المستدامة للمنطقة في حماية التراث وتنميته وإبرازه كأحد مقومات الهوية الثقافية للمملكة.
