اقتصاد المسافة.. كيف يُعيد بُعد الخدمات تشكيل القيمة العقارية؟
المعماري د. هشام القاسم
لا تزال القيمة العقارية، حتى اليوم، تُقاس في كثير من الأسواق بالمساحة والسعر والموقع. غير أن التحولات السريعة في أنماط المعيشة والتنقل أفرزت معيارًا جديدًا يتقدّم بثبات: اقتصاد المسافة. لم يعد السؤال «أين يقع العقار؟« كافيًا، بل أصبح «كم يبعد عن الخدمات التي يحتاجها المستخدم فعلًا؟«.
من مفهوم الموقع إلى شبكة الوصول
ازدياد الاعتماد على العمل الهجين، وانتشار مراكز الخدمات المتخصصة، وارتفاع تكاليف التنقل؛ كلها عوامل جعلت زمن الوصول أهم من المسافة الهندسية، فالعقار الذي يبعد 10 كيلومترات عن المدرسة أو المستشفى قد يكون أقل قيمة من عقار آخر يبعد 15 كيلومترًا، إذا كان الأول يعاني من ازدحام مروري أو غياب وسائل النقل الفعّالة.
هكذا يتحول تقييم العقار من «نقطة ثابتة على الخريطة« إلى «عقدة داخل شبكة حركة معقدة«، تتفاوت فائدتها باختلاف جودة الوصول.
مسافة الخدمة كأصل عقاري
بدأت شركات التطوير ودراسات الجدوى تعتمد ما يسمى Service Radius Index، وهو مؤشر يحدد القيمة المضافة لكل خدمة تقع داخل نطاق يمكن الوصول إليه خلال 5 أو 10 أو 15 دقيقة. وقد أثبتت الدراسات أن كل دقيقة تُخصم من زمن الوصول إلى الخدمات الأساسية ترفع جاذبية العقار بنسبة ملحوظة، خصوصًا في المدن الكبرى.
وتتجه بعض البلديات اليوم إلى إعادة تخطيط الأحياء وفق نموذج «15-Minute City«، بحيث يضم الحي الحدّ الأدنى من الخدمات اليومية دون حاجة إلى التنقل لمسافات طويلة.
تأثيرات مباشرة على السوق
يعيد اقتصاد المسافة رسم الحدود بين المناطق «المرغوبة» وتلك «العادية ». أحياء كانت تُصنّف متوسطة القيمة أصبحت اليوم محط اهتمام، لا لتميزها العمراني بل لوجود طرق أسرع أو خطوط نقل جديدة تربطها بالمراكز الحيوية. وفي المقابل، تتراجع قيمة بعض العقارات الفاخرة بسبب بعدها الحقيقي عن نقاط الخدمة، رغم جودتها الداخلية.
نحو تقييم أكثر واقعية
يمثل هذا التحول نقلة نوعية في آليات التثمين العقاري؛ إذ يدفع إلى تبنّي أدوات تحليل تعتمد البيانات المرورية، خرائط الحركة، ونماذج التنبؤ بالازدحام. كل ذلك يجعل التقييم أكثر ارتباطًا بتجربة الساكن اليومية، وأقل اعتمادًا على الانطباعات التقليدية حول الموقع.
@ArchHesham