السوق العقاري السعـودي بين التحول وإعادة التمركز
سالم القحطاني
في خضم التغيرات التي يشهدها القطاع العقاري، يختلط على البعض توصيف ما يحدث، بين من يصف المرحلة الحالية بالركود أو الأزمة، ومن يقرأها بوصفها فرصة لإعادة التموضع وإعادة ترتيب الأولويات. وفي تقديري، فإن السوق العقاري السعودي لا يمر بأزمة ضعف، بل يخضع لتحول هيكلي عميق، تُشكله مجموعة من السياسات والإصلاحات والأنظمة التي تهدف إلى بناء سوق أكثر استدامة، أكثر كفاءة، وأكثر وضوحًا.
نحن ننتقل من سوق تقوده الانطباعات والتقلبات، إلى سوق تحكمه البيانات، والحوكمة، ورسوم الأراضي البيضاء، والتغيرات التنظيمية المتسارعة. وقد أفرزت هذه المرحلة العديد من التحديات، ولكنها في جوهرها ليست معوقات، بل أدوات لتنظيم النمو وضمان استدامته على المدى البعيد.
المتغيرات المؤثرة:
لفهم هذه المرحلة بشكل أعمق، علينا التوقف أمام ثلاثة محاور أساسية:
- سلوك المستهلك: أصبح أكثر وعيًا ودقة في قراراته، يتفحص، يقارن، ويختار ببطء وحرص.
- قرارات المستثمر: تتريث في ظل غياب مؤشرات استقرار واضحة، بانتظار اتضاح الرؤية أكثر.
- دور الوسيط العقاري: لم يواكب بعد التحول المهني المطلوب، ولا يزال في طور التكيّف مع البيئة التنظيمية المتجددة، ما يستدعي رفع مستوى التأهيل والاعتماد المهني.
التصحيح لا التراجع:
من المهم التأكيد أن ما يحدث ليس تراجعًا، بل تصحيح مسار، يعيد ترتيب السوق من مشاريع ارتجالية إلى نماذج أكثر جدوى، ومن وسطاء غير مرخصين إلى كفاءات معتمدة، ومن عمليات تسويقية عشوائية إلى شفافية ورقمنه وتوثيق. وهو تحوّل لا ينفصل عن رؤية المملكة 2030، بل هو أحد أذرعها التنموية الاقتصادية.
وفي هذا السياق، لا بد أن ننتقل من ثقافة ردّ الفعل إلى ثقافة الفهم والتأقلم مع المتغيرات، وذلك من خلال بناء خطاب عقاري مهني، مدعوم بالبيانات، بعيد عن المبالغة أو السلبية.
ماذا نحتاج اليوم؟
لمواكبة التحول وتوجيه السوق نحو التمركز الصحيح، هناك ثلاث خطوات جوهرية:
- قراءة واقعية للمؤشرات بعيدًا عن التفاؤل المفرط أو التشاؤم غير المبرر.
- تحقيق التوازن بين حماية السوق وتحفيز الاستثمار، من خلال سياسات متزنة وواضحة.
- الانتقال من قراءة التقارير إلى بناء أدوات تقييم فعالة، تُمكّن متخذي القرار من التدخل في التوقيت الصحيح.
ختامًا:
ولذلك، فإن مسؤوليتنا اليوم ليست في الانتظار، بل في المساهمة الفاعلة في رسم ملامح سوق عقاري أكثر كفاءة واستدامة، فلنكن جزءًا من هذا التحول، لا متفرجين عليه.”
والسؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يُطرح اليوم ليس: “متى يتعافى السوق؟” بل: هل نحن مستعدون للمرحلة القادمة من السوق؟
عضو اللجنة العقارية – الريــاض