اتحاد الملاك.. من الجميع وإلى الجميع.. ولكن!
خالد الحميد
في ظل التقدم الإداري المتسارع الذي تشهده المملكة في كافة القطاعات، وفي ظل الاهتمام والدعم الذي أولته الدولة أيدها الله للقطاع العقاري، أصبحت العمائر السكنية متعددة الوحدات (الشقق) نمطًا عمرانيًا بارزًا وواسع الانتشار.
هُنا برزت الحاجة إلى أن تواكب الأنظمة العقارية هذا الزخم برؤية حديثة ومؤسساتية تحفظ الحقوق وتُعزز جودة الحياة.
من هنا، جاء نظام اتحاد الملاك كواحد من أنضج القرارات التنظيمية التي تعكس حرص الحكومة على بناء بيئة سكنية أكثر انضباطًا وتكافلاً.
فلم يعد المشهد كما كان قبل عقود، اليوم، نعيش في مدن تتسعُ أكثر فأكثر، الشقق السكنية أصبحت هي النمط الأوسع انتشارًا، والمباني المتعددة الملاك باتت واقعًا عمرانيًا لا مفر منه، ومع هذا التحوّل، كان لا بد من نظام ينظم العلاقة بين الملاك، ويضبط مسؤولياتهم تجاه الأجزاء المشتركة، ويمنحهم صوتًا واحدًا يتحدث باسمهم جميعًا، وهنا تحديدًا تتجلى أهمية «اتحاد الملاك».
هذه الفكرة، رغم بساطتها، تحمل بُعدًا حضاريًا كبيرًا، أن يتشارك عدة أفراد في صيانة مكان مشترك، ويجتمعون دوريًا لمناقشة ميزانيته، ويقررون مستقبل بيئتهم السكنية، فهذا نموذج رفيع للإدارة الذاتية المجتمعية.
وهذا بدوره كفيلٌ بالحفاظ على الجانب المشرق للعمارة، وضمان استدامتها إنشائيًا وجماليًا، حتى لا تؤول مع مرور الزمن إلى مبنى مهترئ يفتقر للتناسق مع هوية المدينة البصرية، كما كان الحال في بعض العمائر سابقًا.
لكن دعونا نكون واقعيين:
رغم أن عدد الجمعيات المُسجلة 15.810 جمعية، بعدد أعضاء بلغَ: 212,012 عضوًا
إلا أنَّ النسبة لا تزال أقل من الطموح، خاصة إذا ما قورنت بعدد المباني المؤهلة لذلك، نحتاج إلى تحفيز حقيقي من الجهات المختصة، وأيضًا من المطورين العقاريين، لحثّ الملاك على المبادرة في تأسيس جمعياتهم، سواء عبر التوعية أو الحوافز، بل وحتى عبر ربط بعض الخدمات والامتيازات بوجود جمعية فاعلة.
وبالمقابل، يجب أن تكون هناك آلية حازمة تجاه من يرفضون الانخراط أو يتخلّفون عن التزاماتهم المالية والتنظيمية داخل الجمعية، فالسكوت عن المخالفات ينعكس سلبًا على الجميع، ويُضعف مفهوم الشراكة في إدارة العقار.
إن النظام موجود، والمنصة جاهزة، ولا ينقصنا سوى مزيد من التحفيز والانضباط.
كما أن نفي الهيئة العامة للعقار لفرض نسبة ثابتة على ملاك الشقق كان في محلّه تمامًا؛ إذ لا يُعقل توحيد نسبة الاشتراك بين جميع المباني، مع ما بينها من تباين في الحجم، والخدمات، والتكاليف التشغيلية، والأفضل أن تُترك حرية تحديد النسبة لملاك كل جمعية بحسب ظروفهم الواقعية، على أن تتدخل الهيئة للفصل عند حدوث خلاف، بما يحقق التوازن ويحفظ الحقوق.
نحن أمام مرحلة جديدة في إدارة المساكن، لم يعد من المنطقي أن تكون عمارة سكنية تضم عشرات الشقق بلا تنظيم، أو أن تتحوّل الأدوار المشتركة إلى عبء على الساكنين بسبب غياب التنسيق.
وكوني عقاريًا، أرى أن المستقبل يتجه نحو المباني الذكية، والمجمعات المنضبطة، والتجارب السكنية التي تعزز الجودة والرفاهية، واتحاد الملاك ليس رفاهية، بل ضرورة، هو جزء من التحول الوطني نحو مدن مستدامة ومجتمعات منظمة.
ختامًا، لا نحتاج إلى قوانين جديدة بقدر ما نحتاج إلى تفعيل ما هو موجود، وتحفيز الناس على التطبيق، ومحاسبة من يعيق التقدم.
ومن هنا، أدعو كل مالك شقة إلى أن لا يستهين بصوته، فجمعية الملاك تبدأ بخطوة، لكنها تصنع فرقًا كبيرًا في حياة الجميع، المدن وسُكانها.
مؤسس وشريك معالم المسكن للاستثمارات العقارية