قراءة قانونية وأدبية..
تنفيذ الأحكام على العقارات وفق النظام السعودي
عبدالحكيم بن عبدالله الخرجي
في عالم القانون، يبقى العقار دائمًا شاهدًا صامتًا على الالتزامات والحقوق، وقد يُصبح هذا الصمت يومًا ما تمهيدًا لصوت مطرقة العدالة تُقرع في قاعة التنفيذ.
ووفـقًا لنظام التنفيذ السعودي ولائحته التنفيذية، يُعدّ العقار أحد أبرز أعيان المدين التي يجوز التنفيذ عليها، بوصفه مالًا ثابتًا تتجلى فيه القيمة، وتتقاطع فيه مصالح أطراف متعددة. ولا يتم هذا التنفيذ إلا بعد أن تُستوفى الإجراءات النظامية التي تحفظ التوازن بين حق الدائن وكرامة المدين، ويثبت للجهة القضائية المختصة أن المدين قد أعرض عن السداد، وتخلّف عن الوفاء بما عليه من التزام مالي قابل للتنفيذ، وذلك بخطوات قانونية محكمة.
أولًا: الإعلان ثم الإمهال
قبل أن تُمس جدران العقار، ينص النظام على ضرورة توجيه الإنذار التنفيذي، ومنح المدين مهلة للوفاء الاختياري، فإن أبى، اتخذت المحكمة إجراءات الحجز وفق الضوابط المنصوص عليها. وهنا يظهر جوهر العدالة، فهي لا تقفز إلى المصادرة بل تبدأ بالدعوة.
ثانيًا: الحجز والتوثيق
يُقيد الحجز التنفيذي في السجل العقاري الرسمي، ويُمنع التصرف فيه، ويُقيَّم العقار من قبل جهة مختصة لضمان بيعٍ عادل لا يبخس القيمة ولا يظلم الطرفين. إنها لحظة دقيقة يقف فيها النظام على عتبة الأمانة.
ثالثًا: المزاد العلني
إذا لم يفِ المدين، يُطرح العقار في مزاد علني، يعلن عنه عبر الوسائل الإلكترونية المعتمدة، ويفتح الباب للمتنافسين. لكن المزاد ليس مجرد بيع، بل هو وجه من أوجه الشفافية النظامية، تُرسي به المحكمة مبدأ العلنية، وتُبعد عنه الشبهات.
الإنسانية قبل السلطة
ورغم حزم الإجراءات، إلا أن النظام لا يتخلى عن رحمته. فـ منزل المدين الذي يسكنه وأسرته، لا يُباع إذا كان العقار الوحيد القابل للتنفيذ، إلا في حالات محددة، وبعد مراعاة أوضاعه وظروفه، مما يؤكد أن التنفيذ ليس ثأرًا، بل إصلاح وتنظيم لميزان الحقوق.
إن التنفيذ على العقارات وفق النظام السعودي ليس مجرّد آلية قانونية، بل ممارسة لعدالة متأنية، تنظر في الملكية كحق، وفي الإنسان كأولوية. فحين يُنَفَّذ الحكم، لا يُسلب المدين بل يُعاد الحق لمستحقه، وتُحفظ الثقة في القضاء، وتُصان هيبة النظام.
والتنفيذ ليس نهاية، بل هو إعادة صياغة للعدالة على أرضٍ كانت ساكنة، فحرّكها النظام بحبر الحق ليصنع منها طريقًا لإنصاف الدائن وحفظ هيبة الالتزام.
وهكذا، يمتزج النص القانوني بالحكمة، ليرسم مشهدًا يليق بدولة تضع القانون ميزانًا، والكرامة الإنسانية حدًا لا يُمس.
@Dr_alkharji