تقنيات الذكاء الاصطناعي: مسارات وخيبات
عبدالله بن صالح
مع تطور أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، يعود السؤال الأزلي حول تفوق الآلة على الإنسان، لكنه لم يعد مجرد سؤال نظري، بل بات واقعًا ملموسًا في ميدان صناعة المحتوى، لاسيما المحتوى العقاري. بتُّ ألمح هذا الصراع بين الإنسان والآلة في كل ما يُنشر من آراء، تحليلات، وخطط تسويقية. تصفحت ذات صباح الملفات المرسلة عبر تطبيق «واتس أب»، لأجد من يضع اسمه على محتوى كتبه الذكاء الاصطناعي، وينسب الجهد لنفسه بثقة.
أبتسم حينها، ثم أتنقّل بين التغريدات في “إكس»، وأقرأ ما يبدو لي بين السطور وكأن آلة تنطق من خلف معرف بشري.
أسأل نفسي بصدق: ما الذي بقي ليستحق الوقت والمتابعة لشخص مثلي؟
لي مع هذا الذكاء صولات وجولات، خصوصًا في مجال التسويق والوساطة العقارية. أستخدمه، نعم، وأرى فائدته، لكنه ما زال بالنسبة لي أداة يجب أن تُحجم، خاصة حين يتعلق الأمر بالكتابة والتعبير، صدقًا، أفتقد الأصالة، والدهشة، والخروج عن المألوف الذي كانت تمنحه لنا الكتابة قبل دخول الذكاء الاصطناعي بهذا الزخم. أتفهم تمامًا انشغال الأصدقاء وصناع المحتوى، وتزاحم المهام التي تجعل هذا الذكاء يبدو كحل سحري، لكني ما زلت أرى أن الحل السهل لا يصنع فرقًا، ولا يترك أثرًا.
قبل أيام، استمعت إلى تصريح يتحدث عن قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على محاكاة برامج الدراسات العليا، بحيث يمكن لأي شخص أن يتخصص نظريًا بالاعتماد فقط على هذه النماذج، تذكرت حينها كيف كانت المجلدات العلمية والموسوعات تختزل المعرفة وتعيد تقديمها بإيجاز دون أن تلغي الجهد البشري في الفهم والاستيعاب. واليوم، جاء الذكاء الاصطناعي ليكمل تلك المرحلة، فيقدم المعرفة بسرعة، بل وربما بدون حاجة للتفاعل أو التأمل. إنه زمن المعرفة السريعة، والمعلومة الجاهزة، والمهارة الفورية.
ومع ذلك، تعلّمت من هذا الذكاء دروسًا لم أكن أتوقعها: أنني ناقص مهما ظننت أنني اكتملت، ومتسائل مهما كانت الإجابات أمامي، وأنني أحتاج دائمًا للتطوير، حتى وإن ظننت أنني بلغت الاكتفاء. كلما ظننت أنني أدركت كل شيء، جاءني هذا الذكاء ليقول: لا زال في الطريق متسع، ولا زالت الذات بحاجة للتجديد.
أقول اليوم، إن الطرق بيننا وبين الذكاء الاصطناعي متوازية. يمكن أن نستخدمه، أن نستعين به، لكن لا ينبغي أن نتكئ عليه كليًا. حين نفعل ذلك، نتحول إلى قوالب فارغة، عاجزة عن التفكير، عن اتخاذ القرار، وعن صناعة المحتوى الأصيل، وهذا بالضبط ما حدث حين تحوّل الترفيه في عصرنا الحديث إلى الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات، بعد أن كان يرتبط بالحركة واللعب والسلوك الصحي نسبيًا. تشابهت الأسماء، وتغيّرت الأنماط، وقلّ الفارق.
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا. هو فرصة، رفيق، وربما معلم في بعض الأحيان، لكنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن الذات. لا يكتب بنبض، ولا يتلعثم بحماسة، ولا يخطئ بدافع الشعور. والأصالة، كما أعلم، تولد في تلك اللحظات البشرية: في السؤال الذي لا إجابة له، في الفكرة التي تخرج عن السياق، وفي الجملة التي تقال رغمًا عن القواعد.
هل سنعرف، وسط هذا الضجيج، كيف نميز بين من يستخدم الأداة ومن أصبح هو الأداة؟
وهل سنلتفت إلى الخيط الرفيع الذي يفصل بين الاستفادة من التقنية والاعتماد عليها حتى الذوبان؟
ربما يكون هذا هو السؤال الأهم في عصر الذكاء الصناعي… لا في عصر الذكاء الإنساني المهدّد.
@aqar_1159