بينما تتزايد التحديات البيئية والتغيرات المناخية، بدأ العالم يضع عينه على قطاع من أكبر المساهمين في الانبعاثات الكربونية، وهو قطاع التشييد والبناء. ومع تصاعد الوعي البيئي وتزايد التشريعات الداعمة للتنمية المستدامة، يشهد قطاع مواد البناء تحوّلًا جذريًا نحو بدائل صديقة للبيئة تمهد الطريق نحو ثورة خضراء في عالم التشييد. فهل نحن على مشارف تغيير جذري في الطريقة التي تُبنى بها المدن؟
ما هي مواد البناء الصديقة للبيئة؟
تشمل مواد البناء الصديقة للبيئةكل منتج يستخدم في الإنشاء ويتميز بخصائص تقلل من أثره البيئي خلال دورة حياته، بدءًا من التصنيع وحتى الهدم. ومن أبرز هذه المواد:
الخرسانة الخضراء: تحتوي على مكونات معاد تدويرها أو بدائل للإسمنت التقليدي.
الأخشاب المستدامة: مثل الأخشاب المزروعة من غابات معتمدة قابلة للتجدد.
الطوب المصنوع من التربة المضغوطة أو الطين الطبيعي.
الألواح الشمسية المدمجة في تصميم الواجهات والأسقف.
العوازل الحرارية الطبيعية: مثل الصوف الصخري أو ألياف القنب.
ما الذي يدفع السوق نحو هذه الثورة؟
التشريعات الحكومية والتنظيمات البيئية:
تفرض العديد من الحكومات لوائح بيئية صارمة تحد من استخدام المواد عالية الانبعاثات، وتشجع المطورين على استخدام البدائل الصديقة للبيئة.
الطلب المتزايد على المباني الخضراء:
المستهلكون اليوم أكثر وعيًا بأثر مساكنهم ومكاتبهم على البيئة، ما يدفعهم لاختيار عقارات مستدامة.
التكلفة التشغيلية المنخفضة:
المباني المبنية بمواد صديقة للبيئة عادة ما تستهلك طاقة أقل وتوفّر في فواتير التبريد والتدفئة.
التمويل والاستثمار المسؤول بيئيًا:
العديد من المستثمرين وصناديق التمويل لا تموّل المشاريع غير المتوافقة مع المعايير البيئية، ما يدفع المطورين لتبني هذا التوجه.
حجم السوق العالمي لمواد البناء الصديقة للبيئة:
تشير أحدث الدراسات إلى أن سوق مواد البناء الصديقة للبيئة يشهد نموًا متسارعًا، بدافع من السياسات الحكومية، وضغوط المستثمرين، وطلب المستهلكين المتزايد على المباني المستدامة. ووفقًا لتقارير بحثية دولية:
بلغ حجم سوق مواد البناء الصديقة للبيئة نحو 316 مليار دولار في عام 2023.
من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليصل إلى 610 مليارات دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 10%.
تقود أمريكا الشمالية وأوروبا هذا النمو، لكن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تشهد تسارعًا واضحًا في تبني هذه المواد، مدفوعة بالتحول الصناعي السريع والضغوط البيئية.
فرص وتحديات التحوّل نحو البناء الأخضر:
✅ الفرص:
خفض التكاليف طويلة الأجل على المستهلك والمطور.
تعزيز السمعة البيئية للمطورين.
خلق أسواق جديدة وفرص عمل في مجال تصنيع وتسويق المواد الخضراء.
❌ التحديات:
ارتفاع تكاليف المواد الخضراء مقارنة بالمواد التقليدية على المدى القصير.
نقص الوعي في بعض الأسواق النامية.
حاجة السوق لمزيد من الفنيين والمهندسين المتخصصين في التصميم المستدام.
مبادرات عالمية داعمة لمواد البناء صديقة البيئة:
اتفاقية باريس للمناخ وضعت أهدافًا للحد من الانبعاثات تتطلب تحولًا كبيرًا في القطاعات الصناعية، وعلى رأسها البناء.
برامج مثل LEED وBREEAM تمنح شهادات للمباني التي تستخدم مواد مستدامة وتحافظ على كفاءة الطاقة.
ماذا عن المنطقة العربية؟
تشهد دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، توجهًا واضحًا نحو البناء الأخضر ضمن رؤية التحول الوطني ورؤية 2030. كما أن مشاريع المدن الذكية مثل نيوم، تعتمد على استخدام مواد صديقة للبيئة بشكل أساسي، ما يفتح بابًا واسعًا أمام المصنعين والموردين المحليين والإقليميين.
وختاما، إن التحول نحو مواد البناء الصديقة للبيئة لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة اقتصادية وبيئية تفرضها تطورات العصر وتحديات التغير المناخي. ومع تسارع نمو السوق العالمي وتزايد الدعم التنظيمي، فإن الثورة الخضراء في قطاع التشييد أصبحت أقرب من أي وقت مضى. المسألة الآن لم تعد “هل”، بل “متى وكيف” ستتحول الأسواق نحو مستقبل مستدام؟
