منذ فجر التاريخ فطن الإنسان إلى العمل ليوفر لنفسه المأكل والضرورات المعيشية لبقائه على قيد الحياة، ومع التطور زادت احتياجاته وظهرت في طريق البشرية الطويل مهن تعد الأسوأ، بل إن بعضها يتنافى مع الإنسانية، فمن بين المهن الأصعب، والتي انتشرت في العصر السكسوني في بريطانيا إبان القرن الحادي عشر، «الفحام» الذي يحول الخشب إلى فحم، وكان أسوأ ما يجابه شاغل هذه المهنة هو بقاؤه مستيقظاً لأربع أو خمس ليال متتالية منتظراً أن ينضخ الخشب الذي أوقد فيه النار، ليتحول إلى فحم، لأنه إذا زاد وقت الحريق تحول الفحم إلى رماد، ليخسر بذلك أطناناً من الفحم ومجهوداً شاقاً استمر لشهور.
وهناك «صائد الحديد في المستنقعات»، وكانت مهمته البحث عن بقايا الحديد والقطع المعدنية في الأوحال والطين المبتل، عن طريق عصا معدنية يغرسها في المستنقع، وعند سماع قرع المعدن يمد يده في الوحل ليلتقط قطعة الحديد، كانت عملية البحث تتم تحت أي ظروف، وفي البرد والمطر والطين اللزج .
وفي القرون الوسطى بأوروبا انتشرت مهنة «جامع العلق»، حيث يقوم الشخص بتعريض ساقيه لحشرة العلق التي كانت تنتشر حول المستنقعات، ليقوم بعد ذلك بإمساكها وقتلها، وذلك لمنعها من الدخول إلى منازل الأثرياء . . وكم كانت هذه العملية تشوه أقدام العاملين، حيث إن الحشرة كانت تمتص دماءهم وتظل تلك الجراح تنزف، لأن لعابها يحتوي على مادة تمنع التجلط، وللأسف كان معظم العاملين من النساء الاسكتلنديات الفقيرات .
في بريطانيا عام 1665 عندما حل وباء الطاعون العظيم، الذي حصد آلاف الأشخاص، آنذاك ظهرت مهنة استمرت لسنوات وهي «الباحث عن الموتى» فقد كان يجوب المدن بحثاً عن الموتى أو المصابين بالمرض، وكان أهل المرضى يضعون على منازلهم علامة ليعرف هذا الشخص أن بالمنزل مصاباً، ولم يكن يسمح لأحد بدخول المنزل أو الخروج منه سوى للباحث عن الموتى، وقد كان عند الكشف على الجثة يدخن غليونه بشدة لحمايته من العدوى، ورغم هذا مات معظم أصحاب هذه المهنة، بسبب العدوى .
من الملاحظ أن طاقة الإنسان قديماً وقوته وصبره على تحمل مشاق العمل كانت أكبر من طاقته في القرن الحادي والعشرين . . الآن نحن نهبط من سياراتنا لنجلس في مكاتبنا لنعمل ثم نعود إلى سياراتنا ومنازلنا، ومع ذلك نشعر بالتعب وأحياناً بالملل .