زاد حلول رمضان المبارك من الهدوء الذي يعيشه القطاع العقاري السعودي أساسا خلال الأيام العادية، حيث أسهم الشهر الفضيل في تخدير العملية العقارية المحلية والدفع بها إلى تحقيق مستويات جديدة من الانخفاض، إلا أن قطاع تأجير المساكن تمكن من الإفلات والتحليق عاليا بالنسبة للأفرع العقارية الأعلى طلبا ونشاطا، بعد شبه توقف في عمليات البيع والشراء التي وصلت إلى مستويات متدنية، بحسب تأكيدات متعاملين عقاريين لا يعولون كثيرا عليها في مكاسب الشهر الفضيل، نتيجة انخفاض الحركة العامة، الأمر الذي انعكس على تسيد قطاع تأجير المساكن الحركة العقارية.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه مكاتب العقار في البلاد طلبا مرتفعا على المساكن المعروضة للإيجار السنوي، الأمر الذي حرك القطاع العقاري ككل وأنقذه من حالة الركود التي يعانيها، كما ألقت هذه الحركة المشهودة بظلالها إيجابا على الكثير من الأنشطة التجارية المرتبطة، وأهمها شركات نقل الأثاث التي استنفرت إمكاناتها من أجل الاستفادة من هذا النشاط الذي تدور رحاه هذه الأيام.
وتعددت أسباب تفضيل شهر رمضان على غيره من الشهور من أجل التنقل إلى أمور عدة، منها هدوء المناخ العام في هذه الأيام، إضافة إلى البحث عن منزل جديد استعدادا لبدء الموسم الدراسي، كما أن الفراغ الذي يكون طويلا خلال نهار رمضان يظل جاذبا قويا للعائلات للتنقل، وأهمها الهدوء الكبير في حركة الزيارات العائلية واستقبال الضيوف، جميعها أمور دفعت بالنشاط العقاري بفرع التأجير إلى الانتعاش.
وأوضح إبراهيم البنيان الذي يمتلك مكتبا عقاريا أن هناك حركة نشطة للعقارات المعروضة للإيجار، حيث يعتمد الكثير من المستثمرين العقاريين على تنقلات العائلات خلال شهر رمضان، في تحقيق إيراداتهم وتعويض الكساد الذي لحقهم في الفترة التي سبقت دخول الشهر الفضيل، لافتا إلى أن حركة التنقلات في المنازل المستأجرة في هذا الشهر تتربع على الاستثمارات العقارية ككل، خصوصا أن البعض يخفي منازل معروضة للتأجير من أجل تأجيرها في شهر رمضان، للاستفادة من فورة الحركة التأجيرية التي يشهدها هذا التوقيت بشكل دوري، وقال: «الإقبال لم يرفع أسعار الإيجار، بل ظلت على ما هو عليه، كما أن البحث عن المساكن القريبة من المدارس يظل الأكثر طلبا».
وحول الشقق الأكثر طلبا، أكد البنيان أن الشقة الجديدة التي تقع في الدور الأرضي هي المرغوبة أكثر والأعلى سعرا إذا ما قورنت بمثيلاتها بالنسبة لفرع الشقق، وتقل نسبة الفائدة كلما ارتفعت الأدوار إلى الأعلى، كما أن المصعد الكهربائي يعد ميزة تحقق ربحا إضافيا وعملة جاذبة، والشقق متوسطة العمر تأتي في المرتبة الثانية من حيث زيادة الأسعار، تليها القديمة التي لا يحرص المستأجرون على اتخاذها عشا للزوجية وهم النسبة المؤثرة على هذا الإقبال الذي يشهده القطاع، إذا ما استثنينا من ذلك نسبة من ذوي الدخول المنخفضة.
وتشهد المكاتب العقارية في السعودية زيادة كبيرة في طلبات البحث عن المنازل، خصوصا القريبة من الخدمات العامة والمرافق الرئيسة، إلا أن هذا الأمر لم يسهم في رفع الأسعار كما هو معتاد، نظرا لحاجة هذه المكاتب إلى الظفر بالعمولة دون الالتفات إلى سعر الإيجار، خصوصا أن معظم هذه المكاتب تدير فقط المنشآت المعروضة للبيع ولا تمتلكها، وهو السر الذي لم يدفع بالأسعار إلى القفز لمستويات جديدة من الارتفاع.
من جهة أخرى، قال ناصر التويم الذي يدير شركة عقارية استثمارية: «إن هناك الكثير من أسباب تفضيل العائلات السعودية للتنقل في شهر رمضان، منها طول وقت النهار الذي يمكنهم من نقل الأثاث إلى المنزل الجديد، إلا أن أهم أمر يدفعهم إلى التنقل في هذا الشهر هو محدودية استقبال العائلات للضيوف في هذا الشهر، حيث يتمكنون من التنقل بحرية وترتيب المنزل، قبل أن يستضيفوا أي شخص في المنزل الجديد، إضافة إلى هدوء المناخ العام لمدينة الرياض خلال ساعات النهار، الأمر الذي يمكنهم من التنقل بحرية مطلقة».
وحول الخيارات الأكثر طلبا، أكد التويم أن الأدوار بأنواعها الأرضية والعلوية هي الأكثر طلبا على حساب الشقق، رغم ندرتها وارتفاع أسعارها، خصوصا في الأحياء الشمالية التي تعيش موجة عالية من الإقبال على حساب المناطق الأخرى، حيث تتراوح قيمة الإيجار في المدن الكبرى من السعودية، بين 20 ألف ريال و60 ألف ريال سنويا، وتختلف باختلاف المنطقة والتشطيب وعمر المنشأة وقربها وبعدها عن الخدمات والطرق الرئيسة، وجميعها أمور تؤثر بشكل مباشر على قيمة الإيجار.
وزاد: «لم تتغير حالة السوق منذ فترة طويلة، حيث ظلت تعاني ركودا في مجالي البيع والشراء، إلا أن عمليات التنقل التي تجري في شهر رمضان من كل عام، حركت معروضاتهم وبدأوا يجنون الأرباح على شكل عمولة يتفقون عليها عند تأجيرهم أي منشأة».
وفي شأن متصل، بيّن أبو إسلام الشيخ حسين الذي يدير شركة متخصصة في نقل الأثاث، أنهم يكثفون جهودهم في شهر رمضان المبارك، باعتباره موسما مهما في تحقيق الإيرادات، خصوصا في ظل طول فترة النهار، وبالتحديد وقت العصر الذي يمتد لأكثر من ثلاث ساعات ونصف الساعة، وفراغ الناس فيه، الأمر الذي يستغلونه في التنقل بين المنازل.
وبيّن أن تنقلات العملاء بين البيوت المستأجرة أثرت عليهم بشكل إيجابي، وقال: «استنفرت شركات نقل الأثاث جميع إمكاناتها لتحقيق أعلى إيرادات ممكنة خلال هذا الموسم الذي يعد منجما للذهب بالنسبة لهم، خصوصا أن تجارتها تعتمد في المقام الأول على المواسم».
ولفت إلى أن الحجز المسبق للعمالة أصبح أمرا ملحا، في ظل تنامي الطلب عليهم من قبل راغبي نقل الأثاث، خصوصا أن العمالة الماهرة المتخصصة في الفك والتركيب بالذات قليلة جدا في السوق.
واستطرد أبو إسلام قائلا: «إن هذا الإقبال لم يؤثر بشكل كبير على الأسعار، إلا أن الضغط الذي يعيشونه وضريبة تعب الصيام ومشقة العمل لها حساب مختلف»، مبينا أن هناك عمالة أخرى امتهنت نقل الأثاث خلال هذه الأيام، ودخلت في مجال تخصصهم بحثا عن المال، بعد أن رأوا المكاسب التي يحصلون عليها والزحام الذي يحيط بهم، موضحا أن لحركة القطاع العقاري دورا مهما في تحقيق مكاسبهم، باعتبارهم قطاعا يعتمد بشكل مباشر على الحركة العقارية، ففي حال تحركها فإنهم يجنون الأرباح والعكس صحيح.
وتعرف السوق السعودية في الفترة الأخيرة بأنها تعيش تكهنات واسعة وسيناريوهات متضاربة عن مستقبل القطاع العقاري، خصوصا في ظل تصاعد الأسعار وإقرار الدولة حزمة من القرارات التاريخية، إلا أن الغموض لا يزال يسيطر على المشهد العام، إذ ينتظر العاملون في القطاع العقاري ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، التي انتشرت فيها أنباء مختلفة عن قرب انخفاض وشيك للأسعار، نظرا لتجاوز الأسعار القدرة الشرائية لمعظم شرائح المجتمع في ترجمة حلمهم إلى واقع تملك المساكن، الأمر الذي صب في مصلحة قطاع التأجير على حساب الشراء والبيع على أمل كبير في عودة الأسعار إلى حجمها الطبيعي.
( الشرق الاوسط )