كشف عقاريون سعوديون أن أسعار خدمات قطاع المقاولات أحد أهم أسباب ارتفاع تكاليف الإنشاء، خصوصا بعد تزايد المشاريع العقارية وتناقص العمالة الذين غادر بعضهم البلاد بعد انتهاء المهلة التصحيحية التي فرضتها وزارة العمل نهاية العام الهجري المنصرم، والتي سعت من خلالها إلى تنظيم سوق العمل من جديد، إلا أن قطاع المقاولات كان من أشد القطاعات العقارية تأثرا، حيث يعاني السوق وبشكل متزايد من ضعف ضخ العمالة في القطاع الإنشائي مما أحدث فجوة كبيرة في العرض صاحبها ارتفاع في قيمة خدمات شركات المقاولات.
وقدر مهتمون نسبة ارتفاع أجور شركات المقاولات والأيدي العاملة منذ بداية العام الهجري المنصرم {آخر موعد لتصحيح أوضاع العمالة} إلى ما يزيد على 20 في المائة، كما يلزمك الانتظار للظفر بخدماتهم نظرا إلى التزام أغلبية الشركات والمؤسسات بعقود مسبقة، ومعظمها من المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي تساهم في بناء أكثر من 75 في المائة من إجمالي المشاريع العقارية، مما يعني أن الحجز المبكر ضروري جدا لضمان الحصول على خدمات شركات المقاولات، التي تعيش فترة ذهبية في تحقيق الأرباح، في ظل انخفاض أعداد شركات المقاولات الماهرة وتناقص أعداد العمالة المتخصصة في البناء، التي تتعلم هنا وحين ما تتقن العمل تغادر إلى دول الجوار للبحث عن عقد عمل أفضل.
قال عبد الله السكيرين الذي يمتلك مؤسسة خاصة للإنشاءات، بأن هناك طلبا يفوق قدرة شركات المقاولات بأضعاف كثيرة، حيث إن النمو العمراني الذي تعيشه البلاد لم يصاحبه بتاتا نمو يذكر في معدل جذب العمالة الماهرة والمتخصصة، مما جعل الضغط كبيرا عليهم، مبينا أن هذا الإقبال الذي يفوق العرض بمراحل ليس صحيا بتاتا، نتيجة استعجال معظم الشركات الانتهاء من المشاريع التي يرتبطون معها بعقد من أجل القيام بمشاريع جديدة، مما ينعكس بشكل واضح على الجودة العامة للمنشأة وهو ما يعيشه القطاع العقاري، الذي يشتكي من ضعف شركات المقاولات التي تستلم أعمالا جبارة تفوق قدرتها، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله سلبا على الحركة العقارية كاملة عبر تدني مستوى الجودة.
وعن تأثير نقص العمالة الماهرة على القطاعات الإنشائية خصوصا للمشاريع السكنية، أشار السكيرين إلى أن لذلك مضاعفات خطيرة، ما لم يتدارك الوضع بضخ أعداد مضاعفة من العمالة المتخصصة ذات الخبرة في السوق، والتي تستطيع تسلم المشروع أرضا فضاء وتسليمه مبنى كامل التجهيزات، مبينا أن انشغال ونقص المتخصصين يفتح المجال أمام المبتدئين والجهلة لقيادة القطاع العقاري، في المنشآت المتوسطة والصغرى، خصوصا لمن يجهل أصول وأسس البناء السليم، وهو ما ينعكس جليا في ضعف البنية التحتية ومشكلات المنازل، التي لم تظهر إلا مؤخرا، مبينا أن البعض بات يتخوف كثيرا عند نيته بناء مشروع سكني نتيجة تخوفه من أداء العمالة وتأثيرها مستقبلا على تماسك المنزل في ظل انتشار الأخطاء الإنشائية وضعف مستوى الشركات في مجال الجودة.
وأبان بدر الخضير الذي يدير شركة الخضراء للاستشارات العقارية، أن العقار يعتمد على قطاع الإنشاءات بشكل كبير باعتباره المحرك الرئيس للحركة العقارية، وكان من الواجب أن يجري استثناء بعض القطاعات من المهلة التصحيحية وتمديدها، مما ينعكس على المصلحة العامة باستقرار أجور عمالة الإنشاءات عند وجودهم بأعداد كبيرة، وهو ما لم يحدث الآن بل إن المهلة التصحيحية أربكت الشركات العقارية وتسببت في تعثر المشاريع وارتفاع التكلفة العامة للبناء. واستطرد الخضير بأن أكثر ما يؤرقهم عند تسلم مشاريع البناء هو البحث عن عمالة مدربة، في ظل توالي العروض والمميزات على هذه النوعية من العمالة، التي بدأت تفرض أسعارا خارج حدود المألوف نتيجة ارتفاع الطلب، مقابل الأعداد المنخفضة المتخصصة التي تزخر بها السوق السعودية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على رفع أسعار تكاليف البناء إلى نحو 5 في المائة من الفاتورة العامة للبناء، وما يزيد على 20 في المائة مقارنة بما كانوا يتقاضونه قبل بداية العام الهجري الحالي. جدير بالذكر أن السعودية كانت تعاني منذ سنوات عدة نقصا في أعداد العمالة الماهرة؛ لكن هذا النقص قد يزداد خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن مجموعة كبيرة من الشركات لم يسعفها الوقت لتصحيح أوضاع عمالتها؛ مما انعكس على غياب شريحة لا يستهان بها من العمالة، مما عكس فجوة واضحة في أعداد هذه العمالة المتخصصة في إعمار المنشآت، مما قد يلقي بظلاله سلبا على أداء المقاولات محليا، ويشهد قطاع البناء في السعودية طلبا متزايدا في دولة تعيش عصرا ذهبيا في قطاع الإنشاءات، في ظل الإعلان عن المشاريع الكبرى التي تزيد الطلب على العمالة، إلا أن السوق كانت وما زالت تعاني قلة العمالة الماهرة المؤهلة.
وفي الموضوع ذاته، كشف خالد القحطاني مستثمر في قطاع الإنشاءات، أن أكثر من 75 في المائة من المشاريع بالسعودية قامت بها مؤسسات صغرى ومتوسطة، مما يعني أن وجودها على الخارطة العقارية مهم للغاية، بل يجب تطويرها ومدها بالعمالة الماهرة، خصوصا أن معظم هذه الشركات تستقدم العمالة ومن ثم تقوم بتدريبهم وتعليمهم وبعدما يتشربون العمل يذهبون إلى الدول المجاورة للبحث عن عقود عمل بمميزات أكثر، متوقعا أن يشهد القطاع تباطؤا محتملا في عمليات الإنشاء في السعودية نتيجة شح العمالة الذي بدأ يظهر جليا بالنسبة إلى المهتمين في القطاع، مشيرا إلى أن من يلجأ إلى الشركات الكبرى هم أصحاب المشاريع الكبرى أو الحكومية كما أن بعض الشركات الصغرى والمتوسطة تقوم بتحالفات للظفر ببعض المشاريع الكبرى عبر عقود الباطن، مما يعكس أهميتهم على الخارطة العقارية، الأمر الذي يستوجب دعمهم لتسهيل أمورهم.
وأضاف أن الناس باتوا يعجزون عن تحمل نفقات العمالة المتزايدة، نتيجة انشغال القلة الباقية بالمشاريع التي سبق أن وقعوا عقودها قبل أشهر من إصدار القرار، لافتا إلى أنه حتى من يمتلك المال اللازم للبناء سيضطر للانتظار طويلا حتى يجد العمالة المناسبة التي لم ترتبط بعقد، أو أن عقدها على وشك الانتهاء، كاشفا أن المستقبل الآن لشركات المقاولات التي ستتصدر قائمة الشركات الأكثر طلبا وعملا، وتعد شركات المقاولات من أكثر الأنشطة التجارية حركة، وتتصدر بلا منازع الأفرع العقارية النشطة. يشار إلى أن هناك ارتفاعا في عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالسعودية خلال السنوات الماضية، إذ بلغ 1.3 مليون منشأة العام الماضي، فيما بلغ عدد المنشآت العاملة والنشطة منها 71 في المائة، و29 في المائة منها مغلقة وغير عاملة، كما بلغ عدد المؤسسات الفردية من مجموع المنشآت العاملة 688 ألفا، أي نحو 85 في المائة من إجمالي المنشآت العاملة، استحوذت الرياض على 25 في المائة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
( الشرق الاوسط)