في بدايات ظهور فايروس كورونا، كتبنا وتصورنا كيف سيكون الحال في حالة عدم القضاء عليه سريعاً، وكان التحليل بنظرة اقتصادية، وما توقعناه حصل كما تم وصفه وتأثيره على الأنشطة الاقتصادية والعقارية، وعلق البعض على ما كتبنا بأننا غير منطقيين، مستغربين التحليل، واليوم ها هو كل ما ذكرنا يتحقق، ونقدر للجميع حرصهم على متابعة الصحيفة.
الآن وبعد التعافي والعودة التدريجية للأنشطة ماذا نتوقع؟ لا شك أن صدمة انتشار الجائحة عمت الجميع، وضربت اقتصاديات الدول الكبرى، وفعلت ما فعلت في كافة القطاعات، وأثرت، بل نكدت على معيشة البشر، خسرت مئات الشركات ثرواتها، وخسر مئات الآلاف أعمالهم، وأصبح شبح البطالة يشغل الساسة في معظم الدول.
تغيرت أحوال العالم، وتبدلت طرق التفكير، وموجة الركود أصبحت عالمية، وحسب التوقعات سنشهد ركوداً طويلاً لسنوات، حتى يفيق أو ينسى العالم ما حدث. انخفاض أسعار الطاقة أثر أيضاً على معظم الدول التي تعتمد عليه في دخلها بشكل كبير، كما تغيرت سياسات تلك الدول نحو أوطانها بفرض ضرائب ورسوم وإجراءات، وطورت أنظمة وتسهيلات جديدة للتصدير والسياحة، حتى تساعد في تخفيف الضغط عليها وتنويع مصادر الدخل.
انخفاض الإيرادات لفترة طويلة، وتعثر اقتصاديات العالم، سيستمر لسنوات، وستفتح أسواق العالم وتخفف القيود لتنشيطها، ولكن كيف ستكون الدائرة الاقتصادية للأنشطة المحلية؟
عندما نرى بعض أنشطة المطاعم أو المقاهي نشطة أو مزدحمة، لا يعني ذلك ازدهاراً وعودة انتعاش كما يتصوره البعض، فمعظم ما في تلك مستورد بشكل مباشر أو غير مباشر، من لحوم وشاي وقوة، وفواكه، وخضار وعمالة، وغيرها من كل ما يلبس، ودخل معظم زبائنهم مصدرة من القطاع العام وأغلب ما تبقى من القطاع الخاص أيضا يستند بقوة على ذلك القطاع.
هذه الدائرة الاقتصادية تخرج منها مبالغ طائلة للخارج فمن أين سيأتينا الدخل!!
نحتاج فعلاً أن نفكر، فعندما تتأثر عوائد الدائرة الكبرى من الخارج سيكون الألم قوي جداً، فمهما أخذنا من الدائرة الصغيرة سينتهي ما لديها وستضعف عجلة النمو تدريجياً.
المواطن أول من تأثر، ويجب أن يكون أكثر عقلانية في صرفه، والتركيز على الضروريات، مع ضعف دخله، وتضخم الخدمات والمنتجات، حتى تتغير المعادلة ويصبح هناك وفرة وعروض أكثر، ويتوقف أي ارتفاع، ويبدأ التضخم بالنزول لعدم وجود القدرة الشرائية. لذا الفترة القادمة نحتاج إلى الشدة وعدم التبذير وتوفير كل ما نستطيع، لأن السنوات القادمة أصعب بكثير مما نتخيل، فكل شي ارتفع سعره، والمال والنقد هو شريان الإنسان، وأي خلل فيه يزيد الألم، ويصعب علاجه إلا بألم أقوى منه.