منذ إطلاق رؤية 2030 قبل نحو 6 سنوات، والمملكة تحقق الريادة في أفكار المشاريع والبرامج التي تعلن عنها تباعاً، وتتصدر بكل جدارة واستحقاق المشهد الدولي في الكثير من المجالات والقطاعات، ولا ترضى إلا بتحقيق المراكز الأولى فيها، وكأنها في سباق مع الزمن، للوصول إلى مستقبل مشرق ومزدهر، وقودها في ذلك، اعتماد كل ما هو متطور وحديث على مستوى العالم، وما دون ذلك، فهو ليس هدفاً لها.
وبالأمس، لم أصدق نفسي وأنا أتابع تفاصيل خطوة المملكة بإنشاء أول مدينة غير ربحية في العالم، بهدف تعزيز إمكانات القطاع الثالث غير الربحي؛ وجعله نموذجاً مُلهماً، وحاضنة لتطوير القطاع عالميًا، حيث أدركت حقيقة مهمة وجلية، ينبغي الوقوف عندها طويلاً، وهي أن اهتمام المملكة بالقطاع غير الربحي، لا يقل مطلقاً عن الاهتمام بالقطاعات الاستثمارية الأخرى، مثل الصناعة والسياحة والترفيه والزراعة ألخ…، وهذا يضعنا أمام أحد أهداف الرؤية ومرتكزاتها الرئيسة، بأن تجعل صورة المجتمع السعودي من الداخل أكثر إشراقاً وتعاوناً وتكافلاً، وتدفع أفراده ليكونوا فاعلين ومؤثرين من خلال المشاركة في برامج التطوع والمبادرات الإنسانية، وتقديم خدمات نوعية لمجتمعهم، ولكن يبقى الجديد الذي ستأتي به المدينة الجديدة، أن هذه الخدمات ستكون مغايرة في الشكل والمضمون عن السابق، بأن تكون نوعية وإبداعية ومُبتكرة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ ومدلولات.
ورغم كثرة المشاريع التي أعلنها سمو ولي العهد تحت مظلة الرؤية في السنوات الماضية، وأهميتها القصوى لمسيرة المملكة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ورسم ملامح المستقبل الذي نتمناه جميعاً، إلا أن مشروع إنشاء مدينة غير ربحية، أره أفضل تلك المشاريع على الإطلاق، ليس لسبب سوى أن المملكة صاحبة مبادرات إنسانية ومشاريع خيرية كثيرة ومتنوعة في الداخل والخارج، ما يتطلب معه تطوير القطاع الثالث، للإشراف على هذه البرامج والمشاريع، وتعزيز الاستفادة منها، وإدخال جانب الابتكار والإبداع فيها، وهو ما يضمن استدامة هذه المشاريع، وتحقيق أهدافها مجتمعة بأيسر الطرق وأسهل الوسائل.
وأستطيع التأكيد على أن خطوة ولي العهد بإعلان إنشاء المدينة التي تحمل اسمه، تنم عن ذكاء حاد، وبصيرة ثاقبة، واستشراف علمي للمستقبل، وتخطيط محكم، يرى إمكانية تطوير برامج القطاع غير الربحي، والوصول بها إلى أبعد نقطة من التحديث الذي لا يوجد مثيله في العالم، وذلك من بوابة تفعيل أنظمة متطورة في مشاريع وبرامج القطاع، التي ليس أولها الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وليس آخرها الروبوتات الحديثة، وهذا كفيل بأن يجعل المدينة بمثابة مركز إقليمي وعالمي للابتكار والإبداع والتكنولوجيا، ومقراً لاحتضان الصناعات الابتكارية، والتعليمية، والإبداعية، فيما يخص مشاريع القطاع وأهدافه، والجميل في المشهد العام للمدينة الجديدة، أن تتوج أداءها وأنشطتها بحزمة برامج تجتذب بها رؤوس الأموال الجريئة والمستثمرين من ذوي المساهمات المجتمعية حول العالم.. وغداً سنقطف ثمار تلك المدينة.